للمسيحي لعهدنا حياتان إحداهما ظاهرة والثانية باطنة ولا تكون الثانية سبباً في التشويش على الأولى. يقول المسيو هوداس من علماء المشرقيات من الفرنسيين إن المتعلمين يحبون أن يريحوا عقولهم بعض الراحة وذلك بأن يتناسوا أن لهم عقولاً. ولذلك تبقى الأديان الرئيسة في أوربا سنين كثيرة بعد على حالة ملائمة بعض الملائمة.
فنشوء الجنس الإسلامي لا مناص من وقوعه لأنه يجري بطبيعة الحال والدين لا يكون عائقاً له في بادئ الأمر لأن جميع الديانات في الأصل تعمل كأنها أعنة تحول دون كل تقدم على أن اليهودية والنصرانية اللتين لهما تعاليم ضيقة وهما أقل حرية من الدين الإسلامي لم يحولا دون نشوء الأجناس الأوربية.
يمثل الإسلام صورة مجتمع ديمقراطي فلا يعوقه عائق من سلطة الأشراف ولا عائق من سلطة رجال الدين ولا عائق من البابوية أي ليس فيه رئاسة دينية. وهذه العوائق هي من الأسباب المؤخرة فلا يخشى منها أن تؤثر في نشوء العنصر الإسلامي.
ومنذ سقوط الدولة العباسية أصبح الخلفاء لا يجمعون في شخصهم وحدهم بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية الدينية والسياسية وأخذت الشعوب الإسلامية تنمو وتنتشر في أطراف العالم بأسره ولا تخضع لسلطان واحد.
ولقد عرف التعصب في جميع الأديان وأعني بالتعصب ذاك الإحساس الذي يحمل صاحبه على الجهاد دفاعاً عن دينه وحفظ التاريخ حوادث هائلة من هذا القبيل لكل طائفة من طوائف أهل الأديان وردد ما سكرت به من حب الغلبة وبسطة السلطان أما الإسلام فعلى العكس من ذلك ظهرت فيه مظاهر التسامح أكثر من غيره مما يرجع الفضل فيه أسباب خاصة بالإقليم الذي قامت في وسطه تلك الديانة أو هو خاصة من خواص العنصر الذي دان بها.
وكان الداعي إلى المذابح التي أهرقت فيها الدماء في هذا الدور الجديد من الهجرة بواعث سياسية لا بواعث دينية. والدليل على ذلك أنك تجد في الشرق عناصر مسيحية كما فيه عناصر إسلامية وترى فيه الجامع مجاوراً للكنيسة والمسلم يعيش مع المسيحي وصلاتهما حسنة ومنافعهما متبادلة. وليس في الشرق ما يعد خطراً على نشوء الأمة الإسلامية السريع سوى جهل السواد الأعظم ممن لم يرزقوا حظاً من الذكاء يكفي لتكبير عقولهم فيراقبون