أعمال رؤسائهم مراقبة فعالة ويعارضون إذا دعت الحال إلى معارضة سوء استعمال الأحكام.
ونذكر من الأسباب التي تؤخر سير التقدم إلى الأمام قلة الاتفاق بين المصري المسلم والمصري غير المسلم. فإن الأول لا يعترف للثاني بأن يقول عن نفسه أنه مصري ويزعم أن مصر له دون غيره. نهم إن المسلمين أكثر عدداً ولكن المسلمين مع غير المسلمين في مصر من حيث التهذيب العقلي ومن حيث وجود طبقة عالية يكادون يتعادلون ويتوازون وكذلك نفوذ الطائفتين وتأثيراتهما. وأقول هذا وأنا على يقين من أن التعصب الإسلامي غير ممتد الرواق في مصر بحيث يحول دون سير المسلمين نحو الارتقاء وإذا فرض وجوده بقوة التقاليد فالتربية تكفي لإزالته.
قلت أن الإسلام بعيد عن أن ينافي التمدن بل هو على العكس دين يسمح لمنتحله أن يقصد إلى الارتقاء مطلق الحرية والتصرف. ومن المعلوم أن المسلمين ليسوا تابعين لإمام واحد وأنه ليس من ضرورة في الدين أن يتبعوا خليفة واحداً يتولى السلطة السياسية والسلطة الدينية فتوسيد الأمر إلى رجل يجمع بين السلطتين متعذر في الإسلام. وإني لأعرف من الإنكليز والأمريكان من دانوا بالإسلام فما عاقتهم وطنيتهم الإنكليزية والأميركية عن التفاني في نصرة دينهم الجديد فتراهم خاضعين لحكوماتهم ونظامات أمتهم عاملين بشعائر الدين الذي انتحلوه.
كان للعلم مقام جليل بين المسلمين بحيث كان من يعرف القراءة والكتابة يعد من الطبقة الراقية ويحترمه الناس ويبجلونه. وليس لرجال الدين عند المسلمين وأعني بهم العلماء والأئمة ما لأمثالهم عند أهل النصرانية. بل تؤلف تلك الفئة في الإسلام من جميع الناس على السواء مهما كانت طبقتهم. فإذا أحرزوا قسطاً من العلم يخضع لهم الناس وإن لم يكن في أيديهم شهادات تؤذن بأن لهم حق التسلط عليها.
والباعث الثاني على نشر التمدن بين المسلمين اختلاطهم بأوربا فإن كل من رأوا انتشار التمدن المصري وقدروا تأثير السياحات إلى أوربا حق قدرها وعرفوا ما ينتج من اختلاط المسلم بغيره في هذه السياحات يتجلى له الشوط البعيد الذي قطعته الأمة المصرية والتقدم الذي سعى إليه هؤلاء السائحون فصح أن يدعوا من الممهدين لسبيل الحضارة والتمدن.