والفرق في الحقيقة بين هؤلاء السائحين وبين المقيمين في البلاد جوهري محسوس إذ أن السياح سواء كانت رحلتهم للنزهة أو التجارة قد غيروا شكل البلاد وكان منهم أن جعلوا مصر اليوم تخالف مصر منذ ستين سنة وبين هذين الدورين بون شاسع كما لا يخفى على الناظر البصير. ومن يجرأ أن يشبه بلاد الجزائر اليوم بالجزائر قبل أن يفتتحها الفرنسيين؟ ومثل ذلك يلاحظ في جميع البلاد الإسلامية حتى أن مراكش لتمس بإصبعها المدنية الرافعة في جوارها أعلامها. وساكن الشاطئ أسمى عقلاً ومدنية من ساكن الداخلية لأنه يختلط على الدوام بالعناصر الراقية وينال بذلك علماً لا يناله سكان الوسط.
اعتبر ذلك في أوربي يتوغل في داخلية مراكش فإن المسلمين يسبونه ويشتمونه. وإذا كان الأوربي في صحبة مراكشي تهذبت نفسه بالاختلاط بالأجانب فإن هذا يحاول أن يشرح للأوربي خطأ ابن دينه مستدلاً على دعواه بجهل مواطنه وأنه مازال على الفطرة متعصباً ومتشبعاً بأفكار أمته القديمة.
وبعد فإن تهذيب المرأة سيكون من أعظم العوامل في المدنية الإسلامية. ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نعترف بأن ما تم من الارتقاء لبعض الطبقات المنورة في المسلمين كان الباعث الأكبر عليه تأثير تربية المرأة. لأن الشريعة المحمدية خولتها من الشعور ما تعرف به كرامتها لتكون مستقلة ولأن محمداً صلوات الله عليه أراد إنهاض المرأة من سقوطها الذي كانت فيه قبل الإسلام فتسامح بتعدد الزوجات. ومن المحقق أن أسباباً شديدة كانت تقضي بنيلهن هذا الامتياز. ذلك أن في تعدد الزوجات مضاعفة الأمة ونموها وتكثير سواد الموحدين مما حسن أثره في هذه الأمة. نعم كان تعدد الزوجات من الدواعي إلى تجنب الفسق فاستطاعت بذلك المرأة التي تحدثها نفسها بمن في خارج بيت زوجها أن تجد لها من الشرع نصيراً يجعلها في حل من التزوج ممن تحب. وبهذا لم يعهد بين المسلمين الزواج غير الشرعي ورفع عنهم عار التسري واضطروا إلى احترام الأبكار في بيوت غير بيوتهم.
والدليل على هذا بأنه منذ قل تعدد الزوجات في البلاد التي نال أهلها نصيباً من التعلم أصبحت بيوت الفجور مملوءة بالوطنيات المسلمات بعد أن كان أهلها من غير بنات البلاد وقامت بيوت العهر الوطنية تجاري مواخير الدخلاء وتتغلب عليها.