للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا أخصر وصف للقلعة زمن عزها وعمرانها أيام كان بها يضرب المثل في الحسن والحصانة لأن مدينة حلب في وطاء من الأرض وفي وسط ذلك الوطاء جبل عال مدور صحيح التدوير مهندم بتراب صح به تدويره والقلعة مبنية في رأسه ولها خندق عظيم وصل بحفره إلى الماء وفي وسط هذه القلعة تصل إلى الماء المعين وفيها جامع وميدان وبساتين ودور كثيرة

وما أحرى هذا الحصن بقول البحتري من قصيدة يصف بها إيوان كسرى:

لو تراه علمت أن الليالي ... جعلت فيه مأتما بعد عرس

وهو بنبيك عن عجائب قوم ... لا يشاب البيان فيهم بلبس

ليس يدري اصنع انس لجن ... سكنوه أم صنع جن لأنس

عمرت للسرور دهرا فصارت ... للتعزي رباعهم والتأسي

فلها أن أعينها بدموع ... موقفات على الصبابة حبس

ذاك عندي وليس الدار داري ... باقتراب منها ولا الجنس جنس

زراعة حلب

ليس في ظاهر حلب من الحدائق الأنيقة ما يبلغ نحو عشر ما في ظاهر دمشق على كثرة الماء وجودة التربة هنا. أما في أعمالها فتنبت أكثر الحبوب وتجود معظم الثمار ولولا قلة الري التي تحدث بعض السنين بقلة الغابات وتدرجها نحو الفناء وما يعشش في أرباضها من الجراد في معظم السنين لكانت زراعتها كزراعة بلاد دمشق وأكثر ومع هذا فان أقضية دمشق لا تعادل أفضية حلب في زيتونها قال المهلبي: وتجلب من كور حلب وضيعها ما يجمع جميع الغلات النفيسة فان بلدة معرة مصرين وجبل السماق بلد التين والزيتون والزبيب والفستق والسماق والحبة الخضراء وقال ابن شداد وفي بعض ضياع حلب ما يجمع عشرين صنفا من الغلات. وقال ابن الشحنة ومما اختصت به حلب ماء الورد النصيبي الذي يستخرج بالباب من إعمالها فانه لا يوجد في الدنيا مثله بحيث لا يقاربه شيء مما يجلب إلى الديار المصرية من الشام مع أن المجلوب من دمشق عند المصريين في غاية العظمة بحيث يصفه أطباؤهم للمرضى فيقولون ماء ورد شامي. وقال ياقوت ويزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكروم والذرة والمشمش