دولة سارت على سنن قوانينها وكل قبيلة اتبعت شرائع بلادها حازت مقاماً من المجد والعز والرقي وإن كل من خالف تلك النظامات من تلك الأمم والدول انقلب عزها ذلاً وهناؤها شقاءً وارتفاعها سقوطاً وتقدمها تأخراً.
ولا حاجة إلى القول أن الأمة الإسرائيلية لما خالفت شرائعها ونظامها المدنية والدينية دبت في مجتمعها روح الموت الأدبي والمدني وعبث بجامعتها عابث فمزق شملها وانفصل حبلها وما المصائب والاضطهادات التي لقيتها هذه الأمة في جميع قارات العالم بل ما المذابح التي جرت على شعبها المتفرق بل ما السيف الذي عمل في رقاب كثيرين من هذا الشعب العريق في القدم أينما كان وحيثما حل في خلال القرون الخالية وفي كل قرن من القرون المتوسطة والحديثة ما خلا القرن الثامن عشر للميلاد بل ما الداعي إلى انفصام عروة اليهود على وجه البسيطة إلا بسبب مخالفتهم للنظام والشريعة. وهكذا يقال في البابليين الذين بلغت أسوار مدينتهم العظيمة ٣٠٠ قدم ارتفاعاً و٨٧ قدماً عرضاً وبلغ محيط دائرتها ٤٨ ميلاً. فقد سقطت بيد الماديين والفرس سنة ٦٤٤ ق. م. لأنهم سكروا في عيدهم السنوي فغفلوا عن واجباتهم نحو الشريعة الدولية والنظام الأدبي فهبطوا ذلك الهبوط المريع وخسروا تلك المدينة العظيمة التي أجمع المؤرخون القدماء على أنها كانت سيدة الممالك ودرة تاج فخار الأمصار.
خسر البابليون على ذاك العهد بخسارة بابلهم مائة باب مصفحة بالنحاس وخسروا هيكل بابل الذي كان ارتفاعه ٦٠٠ قدم والبحيرة الصناعية التي بلغ محيطها مائة ميل وعمقها زهاء ٣٥ قدماً. وفقدوا أيضاً الجنائن الصناعية التي جعلت طبقات بعضها فوق بعض وبلغ علوها علو البرج. دع الدور الفخيمة والقصور الشاهقة والأبنية الجميلة.
والواقف على تاريخ اليونان القدماء وامتداد سلطتهم وما بلغوه من قوة السعد وعلى تاريخ الرومان وما وصلوا إليه من مناعة العز والمجد لا يرى بداً من التصريح بأن تشويش نظامهم الدولي واختلال شرائعهم المدنية كانا قاضيين على تلك السلطة وذلك المجد والسعد بالتلاشي والزوال.
فحري والحالة هذه بحكام البلاد الذين تشوش نظامهم وأخذ سوس الفساد بنخر جسم مدنيتهم وعمرانهم وحقيق بالآخذين بنواصي العباد ممن استولى عليهم الرقاد أن يستيقظوا ويعتبروا