للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرض على موجبها وفرضوا الجزية بحسبها وجرت دولة المصريين على ترتيبهم عهداً طويلاً. وقبل عهد رعمسيس كان المصريون قد عمروا الأهرام وشيدوا الهياكل والأبنية الضخمة على أصول هندسية أدركوها بالتجربة والعقل وجروا عليها في الأعمال غير أنهم لم يجعلوها فناً ولا كتبوا فيها شيئاً انتهى إلى المنقبين في هذا العصر. وعلى هذا النمط جرى الكلدان بين النهرين في بناء القصور وإقامة الآثار التي مازال بعضها ماثلاً إلى هذا اليوم.

قال هيرودتس أن منشأ علم الهندسة كان في مصر وذلك يوم جعل سيزوستريس أو رعمسيس الثاني المزارعة دورية بين الفلاحين فاضطر الناس في مثل هذه الحالة إلى مساحة السطوح المستطيلة والمثلثة والمستديرة لأجل تعيين الحدود بين الحصص في أرض لا يوجد فيها شيءٌ من التخوم والفواصل الطبيعية كالصخور والمسايل والرجم والسدود وغيرها وأكد أرسطوطاليس هذا القول بأن العلوم الرياضية نشأت في مصر.

هذا وإن كان المصريون والكلدان بدأوا بوضع القواعد الهندسية إلا أنهم لم يتجاوزا فيها القدر الذي دعتهم إليه أحوال معيشتهم في مسح الأرض وتشييد الهياكل ومراقبة النجوم لمعرفة الأوقات مما له دخل في زراعتهم وعبادتهم وبقوا واقفين عند هذا الحد حتى ظهر اليونان ومدوا يدهم إلى كل جرثومة من جراثيم التمدن والعلم في الشرق فأخذوها ونمت على أيديهم نمواً عجيباً فوسعوا أطراف الهندسة ورفعوها إلى منزلة جديرة بالاعتبار وبسطوا قواعدها واكتشفوا فيها الأسرار العميقة وألفوا الكتب المطولة بالأقسام والأبواب حتى صار فن الهندسة يصف بين أرفع العلوم شأناً وأجلها قدراً. وأبعد مهندسي اليونان عهداً ممن انتهى إلينا خبرهم طاليس الفيلسوف أحد الحكماء السبعة (٦٣٩_٥٤٨ ق. م) نزل مصر ودرس المعروف عند علمائها وكهنتها من مبادئ الهندسة وقاس ارتفاع الأهرام بواسطة أظلالها وحمل العلم إلى اليونان حيث رجع وأسس المدرسة الأيونية جاعلاً الهندسة أحد الفنون القانونية فيها فقرأه عليه عدد كبير من طلاب الحكمة ومحبيها ونبغ فيه بعضهم وهو الذي اكتشف أكثر القضايا في المثلث متساوي الساقين وخواص الزوايا المحيطية في الدائرة وقضايا المثلثات المتشابهة فكان أول من جعل لهذا الفن حلقة تدريس خاصة به وجمع الأشتات المعروفة منه ولقنها الطلبة وفتح باباً لمن بعده إلى الاكتشاف