ارتقت آداب اللغة العربية في السادس لميلاد المسيح بمخالطة العرب لأهل العراق والشام فقد أخذوا عنهم يهودية موسى ونصرانية المسيح وربما انتقلت إليهم بعض الآراء الفلسفية التي أدخلها القسيسون في الديانة المسيحية كما في قول الأعشى
استأثر الله بالبقاء والعد ... ل وولى الملامة الرجل
وكذلك أخذوا عنهم عقائد الصابئة وشيئاً من مذاهب المجوس ونقلوا عن حضارة الروم والفرس كثيراً من الأدوات التي لم يكن لهم بها عهد من قبل وتبع ذلك نقل كثير من الألفاظ الفارسية والروسية ولاسيما فيما يتعلق بالنبات والسلاح وأدوات اللهو والطرب وأنواع الدواء والعقاقير وفي أثناء ذلك كان الجيش قد احتلوا بلاد اليمن فأدخلوا فيها كثيراً من لغتهم وكانت التجارة بين الهند واليمن فاستتبع ذلك انتقال كثير من الألفاظ السنسكريتية إلى لغتها ولاسيما فيما يتعلق بأنواع التجارة وأظن هذا المقدار من الوصف قد مثل لكم اللغة العربية تمثيلاً حسناً فأنتم ترونها الآن جميلة رشيقة ولكن صدق المثل العربي القائل لا تعدم الحسناءُ ذماً.
فإن تلك الجميلة الحسناء لم تخلُ من عيوبٍ فقد كانت لغة قوم متوحشين يزعقون الأنفس ويهدرون الدماء ويعيشون من النهب والسلب ويستبيحون لأنفسهم بيع السير والعبث بأعراض العدو والتمثيل بالمغلوب حتى أن أحدهم لينحصف نعله بإذن عدوه إن ظفر به أو قدر عليه.
وهم عَلَى ذلك أولو شظف بالعيش وخشونة في الحال يسكنون الجبال والرمال وربما أكلوا الخنافس والضباب وغذوا أنفسهم بدماء الإبل وأوبارها فنشأ من ذلك في لغتهم حوشية الألفاظ وتنافرها وجفوة المعاني وتعقيدها وقد كانوا فوق ذلك متنافرين متدابرين قلما تطمئن قبيلة منهم إلى الأخرى فلم يكن من سبيل بينهم إلى التعارف وبعبارة واضحة لم يكن من سبيل إلى اتفاقهم في المنطق فقد تباعدت اللغات واختلفت اللهجات لتعدد الأوضاع وتباعدت الأصقاع حتى أنهم كانوا لا يفهم بعضهم بعضاً.
وقد وفد أعرابي عَلَى ملك من ملوك حمير فقال له الملك ثب يريد الجلوس فظن الأعرابي أنه يأمره بالقفز كما هي لغة الحجاز فوثب من أعَلَى الجبل حتى تردى في أسفله فلما سأل الملك عن ذلك واطلع طلع الرجل قال من دخل ظفار حمر. . .