حكمت سيفي في مجال وشاحها ... ومدامعي تجري عَلَى خديها
رويت من دمها الثرى ولطالما ... روى الهوى شفتي من شفتيها
فوحق نعليها ما وطئ الثرى ... شيءٌ أعز علي من نعليها
كان قتليها لأني لم أكن ... أبكي إذا سقط الذباب عليها
لكن ضنت عَلَى العيون بحسنها ... وأنفت من نظر الحسود إليها
نعم إني لا أريد أن يكون الناس غلاة في الغيرة كهذا الشاعر ولكني أُريد أن أبين لكم أن هذا الفرق بين الشاعرين ليس من آثار البداوة والحضارة وإنما هو من آثار الفرق بين العزة والذلة فلكم شاعر أبي النفس حمي الأنف لا يقبل الضيم ولا يرضى العار وهذا عاشق ضعيف مستكين قد رضي بالدون وقنع بالقليل واطمأن إلى الهوان.
ستقولون مالك تقارن بين الجيد من الشعر العربي والرديء من الكلام البلدي وتترك الشعر والنوابغ الأفذاذ والشعراء المفلقين أمثال شوقي وحافظ صبري.
والحقيقة أيها السادة أن هذا الاعتراض محرج جداً لأنه يتعجلني في الحكم عَلَى هؤلاء الشعراء وقد لا أستطيع أن أرضيكم بهذا الحكم ولكني أقول أن هؤلاء الشعراء ليسوا في الحقيقة شعراء مصر وإنما هم بين رجلين رجل نهج منهج الفرنج فهو يعبر عن أذواقهم وأخلاقهم وعَلَى مناهجهم وأساليبهم وهذا لا ينبغي أن يحب عَلَى مصر وإنما يجب أن يلحق بأوربا ورجل نهج مناهج العرب القدماء فهو يكرر ما قالوه ويردد ما نطقوا به مع قليل من التغيير في اللفظ فهو يشبه القطا والظليم وهذا لا ينبغي أن يكون من شعراء مصر وإنما ينبغي أن يكون من شعراء القبور.
لندع الشعر والغناء الآن فهذا مقدار يكفي للمقارنة بينهما ولنتقل إلى الأمثال فهل تستطيعون أن تقاربوا بين ذلكم المثل العربي القائل كل فتاة بأبيها معجبة.
وهذا المثل المصري القائل الخنفسة عند أمها عطارة والقرد عند أمه غزال.
كفى كفى أيها السادة فقد أثبتت المقارنة بالدليل والبرهان إنا لم نصل من الرقي الأدبي إلى ما وصل إليه أولئكم الأعراب وإن كنا أولي حضارة ومدنية وأصحاب علوم وآداب وذوي شريعة ودين.