للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أستحي أن أقارن هذا الشعر الفخم الذي يمثل القوة والعزم ويظهر قائله مظهر المتسلط القاهر وبين ذلكم الغناء المصري القائل - يالموني يالموني ياللي في حبك ظلموني - يالموني وأنا أحب الخص يالموني ولا آكل الخص يالموني وحبيبي في مصر يالموني عَلَى مين يجيبولي. . .

قفوا أنفسكم أيها السادة موقف الحاكم الفاصل بين الحق والباطل وحدثوني أي معنى لنداء الليمون في هذا الغناء وهو الذي ظلم هذا العاشق في حبه وما هي العلاقة بين أكل الخص وبين الحب ومن ذا الذي يستطيع أن يكون قواداً لهذا العاشق بعد أن قعد به العجز وضعف الهمة عن أن يصل إلى حب حبيبه إليه وأكرم كريم عليه.

لندع ذلكم الشعر والغناء ولننتقل إلى شعر وغناء آخرين.

هل تستطيعون أن تقارنوا بين قولكم ذلكم الشعر الجاهلي في عتاب حبيبته

فإني لو تختلفني شمالي ... خلافت ما وصلت بها يميني

إذاً لقطعتها ولقلت بيني ... كذلك أجتوي من يجتويني

وبين هذا الغناء المصري القائل

ارحم متيم له أحوال لما رآك تهدى خلافه صعبان عليه. . .

حدثوني أيها السادة عن مقدار الفرق الكبير بين ذلكم الشاعر الجاهلي الذي يخاطب حبيبته بهذه اللهجة القاسية وهذا الشاعر المصري الذي عرف أن حبيبه قد هجره واستبدل به غيره فلم يستطع أن يعانيه بأكثر من قوله أن هذا صعب عليه بل إنه لم يستطع أن يقول هذه الكلمة إلا بعد أن قدم بين يديها مقدمة طويلة في الشكوى والاستعطاف.

ستقولون أن هذا الفرق بين الشاعرين أثر من آثار الفرق بين البداوة والحضارة فذلك شاعر هيأت له بداوته أن يخاطب حبيبته بذلك الجفاء وتلك الغلظة وهذا شاعر هيأت له الحضارة أن يعاتب حبيبته بهذا الرفق واللين.

كلا أيها السادة ليس تأثير الحضارة والبداوة في هذا الأمر كبيراً فإن الحضارة الصالحة لا تقتل عاطفة الغيرة من قلب الإنسان ولعلكم سمعتم خبر ذلكم الشاعر العباسي الناشئ في الحضارة إذا اشتدت به الغيرة عَلَى حبيبته حتى أشفق عليها من الهواء فقتلها وقال يرثيها

يا طلعة الحمام عليها ... فجنى لها ثمر الردى بيديها