ربما توهم واهم أن الحرية العثمانية أبرزت من القوى ما كان كامناً في النفوس ولكننا لم نشهد من علائمها شيئاً يستحق الذكر اللهم إلا أولئك النفر من المتأدبين الذين جربوا أنفسهم في نشر الصحف والمجلات وتأليف الأسفار والمترجمات يحاولون منها الرزق أولاً فخسر أكثرهم عَلَى أن معظم ما نشر في السنين الأربع الأخيرة من المصنفات والمقالات يدل عَلَى أن الأمة هنا لم تزل في دور التجارب وهيهات أن تعد في مصاف الأمة المصرية حتى بعد ربع قرن فالأسماء هنا أكثر من المسميات وإن تكن الهمم عالية أكثر من مصر في الجملة ولكن أين نحن من نضوج العلم في وادي النيل وتلك الفئة الرشيدة من العلماء والكتاب والمفكرين والسياسيين والخطباء الواعظين.
يقولون أن الكليتين الأميركية واليسوعية في بيروت تخرجان رجالاً أكفاءً فأين آثارهم نستدل بها عَلَى فضلهم ووطنيتهم وما نخالهم يستطيعون أن يأتونا بغير مقالات خيالية أو قصص غرامية مسلوخة أو ممسوخة من اللغات الأجنبية. وكان في مقدرة أولئك المتعلمين عَلَى التواءٍ في نظام تعليمهم أن يأتوا وهم متوفرون عَلَى أعمالهم المادية بشيءٍ من المعارف لوطنهم يخدمونه بها ولكن القوم بلغت بهم الأثرة وحب الماديات حتى صاروا لا يتعلمون العلوم إلا إذا كانت تنفعهم لجلب الرزق وما عدا ذلك فليس له حظ من الأعراب في جملة حالهم.
وهذا من آكد الأسباب التي دعت فئة من المتعلمين ولاسيما في لبنان والساحل أن يعرضوا عن درس اللغة العربية ويستعيضوا عنها بالانصراف إلى تعلم إحدى اللغات الأجنبية لأن هذه بزعمهم تعود عليهم بجماع الفضائل والمحامد والغنى وتلك لا تفيدهم في مادياتهم ولا في أدبياتهم ولكن فات هذا الفريق من المتعلمين إنهم مهما بلغوا من أحكام ملكة اللغات الأجنبية لا يتعدون فيها قدر الترجمان البسيط وإن من جميع من اشتهروا بإتقان اللغة الإنكليزية أو الإفرنسية حتى الآن من أبناء سورية لا نعرف بضعة أشخاص يستحقون أن تنشر مكتوباتهم في مطابع الغرب إلا بعد أن ينظر فيها أبناء تلك اللغة وينمقونها ويتعاورونها بالحذف والإثبات.
وبعد فإن النهضة الفكرية لا تكون عَلَى أتمها إلا بالتعليم وهذا التعليم مفقود من سورية اللهم إلا علة مناحي الفرنسيس والأميركان وغيرهم ولذلك كانت النهضة السورية أشبه بجنين لم