تظهر سحنته وتتم خلقته. وما دام التفرنج من جهة والتترك من أخرى يستحيل عَلَى بلاد الشام أن تدعي بأن فيها نهضة فكرية عربية ولا يفعل أكثر من يتعلمون إلا أنهم ينقلون أنفسهم إلى أبناء اللغة التي يتعلمونها وينسلخون من قوميتهم.
وربما يقول بعضهم ما هذا الغلو في تقدير هذا الخطر المداهم والمتعلمون أفراد والسواد الأعظم لا في العير ولا في النفير لم يبرحوا عَلَى الفطرة وسيتعلمون ما سيكتب لهم فالجواب أن الأفراد هم العمدة والفرد المتعلم اقدر عَلَى معرفة المدخل والمخرج من عشرة آلاف أُمي ولو كانت كثرة العدد تنفع كل حين لما رأينا سكان الهند يخضعون للإنكليز وجزائر الملايو أو جاوة يخضعون للهولانديين وغيرهم من الأمم الشرقية الضعيفة يخضعون لغيرهم من الأمم الغربية القوية. وعَلَى الجملة فإن نهضة سورية عَلَى غير ما تقتضي الحاجة الوطنية فهي لا شرقية ولا غربية بل هي من كل البلدان وثمرة كل الشعوب والناس قد شعروا بنقصهم ويسعون عَلَى تعليم أبنائهم في معظم الأقاليم والشعور بالنقص أول درجات الكمال كما أن ميل الناس إلى المشاركة في المسائل العمومية دعا إلى ترقية المحيط والتجافي عن تافه الأحاديث فعسى أن تنمو هذه الجراثيم وتنتقل من دور الحضانة إلى دور الطفولة والفتوة في قليل من السنين.