فتكاد لا تبع فيها الصحف الراقية إلا أعداداً معينة سيتناقص عددها مع الزمن وصدور الأحسن فالأحسن.
ولا مشاحة في أن الصحافة مثال من أمثلة ارتقاءِ الأمة وانحطاطها وإن صحافتنا يجب أن تقود إليها الناس بالحق والصدق لا أن تنقاد إلى أهواء الناس والعامة منهم الخاصة فإن بعض الصحف جارت العامة مثلاً عَلَى ما يريدون في نقل أخبار هذه الحرب الناشبة الآن في طرابلس الغرب بين العثمانيين والإيطاليين فراجت بعض الشيء ولكن هذه الهبة لا تدل عَلَى ارتقاءٍ في العقول ولا عَلَى إقبال حقيقي وكان أولى أن تنقل للقوم الأنباء بدون زيادة ولا نقص مع مراعاة السياسة المتبعة من تقوية القلوب والتفاؤل بالخير للمستقبل فإن من أبشع المظاهر أن يستتبع العامة الخاصة وما طرأ الفساد عَلَى أحوالنا الدينية والدنيوية إلا لمجاراة الخواص للعوام في أُمور كثيرة.
وأي ارتقاء الآن والأمة نراها تقبل عَلَى الصحف الهزلية أكثر من إقبالها عَلَى الصحف الجدية وإن كان من جرائد الهزل ما هو سلوى النفس وأحماض القلب ولكن كثرة الإقبال عليها أكبر دليل عَلَى أن الأمة أميل إلى الخيال منها إلى الحقائق وأنها أمة كسل لا أمة عمل.
هذا ولجرائد بيوت الفضل الأكبر في بث ملكة المطالعة في الناس وتعويدهم الفصيح من الكلام والصحيح من الآراء ولذلك تجد مجموع البيروتيين أرقى من مجمع غيرهم من سكان قواعد هذه الديار لكثرة توفر عامتهم وخاصتهم عَلَى مطالعة الجرائد والانتفاع بما تنشره من طريف المعارف والمبادئ والتكرار يؤثر في الأحجار وربك يفعل ما يشاء ويختار.
مدرستان إسلاميتان
إذا كانت بيروت تعد اكبر معاهدها العلمية المسيحية كلية الأميركان وكلية اليسوعيين فإن من الواجب أن تعد اكبر المدارس الإسلامية فيها الكلية العثمانية الإسلامية ودار العلوم والميزة بين المعهدين الأولين والمعهدين الآخرين أن الغرض في الأولين خدمة فكر خاص أقل ما يقال فيه تزهيد نفوس أكثر المتخرجين منهما في خدمة بلادهم وإضعاف الشعور الوطني أما الحالة في المدرستين الناجحتين فهي عَلَى خلاف ذلك تنمي العاطفة الوطنية