وتهيئُ رجالاً يبقون في بلادهم يخدمونها بما تصل إليهم طاقتهم. وهذا من أعظم ما تمدح عليه المدرستان الإسلاميتان.
نشأت الكلية العثمانية منذ سبع عشرة سنة بهمة رجل أزهري لقي الأمرّين في سبيل مشروعه وقاومه أعداء الإصلاح والتجديد وأنصار المنافسة والحسد ما وسعتهم المقاومة فكان بثباته معلماً للمعلمين كيف يكون الصبر عَلَى ما أخذوا النفس به. ولا عجب فصبر المعلمين يجب أن يتعلموه من سيرة الأنبياء والمرسلين خصوصاً والمعلمون لا يخرجون عن كونهم مبشرين ومنذرين ولكن يوحي غيرهم وسيرة من تبعوهم من الحكماء والأنبياء.
هذا الأزهري هو الشيخ هو الشيخ أحمد عباس أحد أساتذة بيروت ورئيس هذا المعهد النافع قام بقوته إلا ما كان من معاضدة بعض المستنيرين في هذا الثغر لعمله وخصوصاً من تألفت منهم عمدة المدرسة مؤخراً من رجال بيروت وبعض قادة الأفكار فيها فوفق حتى اليوم إلى تخريج زمرة من الشبان المنورين ومنهم التاجر والصحافي والطبيب والحقوقي وقد كان في كل دوار مدرسته يستعين بالأساتذة الأكفاء من أي مذهب كانوا يعلم تلامذته بذلك التسامح المحمود والأخذ عن المخالف فيما لا يخدم رأيه ومبدأه.
زرنا مدرسته وقد زرناها عدة مرات في الأعوام الماضية فشهدنا النضوج آخذاً بتعاليمها والكمال قريباً منها والثبات متمثلاً في أرجائها والعناية بتربية جسم الطفل وعقله غايتها فهي في أجمل بقعة وأعلاها من أحياء بيروت (برج أبو حيدر) تطل عَلَى لبنان وقراه وبيروت وحدائقها الغناء لو تم لها ما يريده لها أحبابها أن تملك البنايات التي قامت فيها وأوى إليها أساتذتها لكانت كاملة في مادياتها كما كملت أو كادت بمعنوياتها.
نعم لو كانت لها دار قوراءُ وقصور تؤوي الداخليين والخارجيين من تلامذتها لبلغ تلاميذها ضعف ما هم الآن (٣٧٠) منهم (١٤٠) داخلياً من أبناء بيروت وأنحاء سورية وغيرهم ولكن المسلمين ليسوا من القوة عَلَى الأعمال بحيث يهتمون لمشروعاتهم العملية اهتمام الغربيين لها وليس الفقر وحده هو الذي يقعد بهم عن مجاراة الأمم الحية وإلا فإننا نرى أضعف منهم بما لا يقاس يهتمون لمثل هذه الأمور أكثر منهم عَلَى أن كثيراً في رجال نهضتنا يودون عَلَى الأقل لو سكت عنهم قومهم وخلصوا من أعمالهم لا عليهم ولا لهم لا تنشيط ولا تثبيط وهذا سر من أسرار انحطاطنا العجيب.