بيروت لشركة لما رأينا فيها هذا النظام والنجاح وبذلك صح لنا إثبات ما قدمناه من أن الشرقي أمة بمفرده والأمة ضعيفة بمجموعها وأن لا سبيل إلى قيام الأعمال الكبرى في بلادنا وإن نقدر لها النجح المطلوب إلا إذا اتحدت مناحينا وتعلمنا تعليماً وطنياً اقتصادياً واحداً.
وأي دليل عَلَى ذلك أفضل من أن نقول بأن صاحب هذا المعمل بدأ منذ ٢٤ سنة وهو في الثالثة عشرة من عمره لا يملك غير ثمانمائة قرش ومعلومات جزئية في التجارة تعلمها في الممارسة ومنها ما أحرزه بقانون الوراثة لأن والده كان يعمل بالحرير وجده دمشقي يجلو السيوف في دمشق إن صح أن تؤثر الوراثة في الميل إلى الصناعة. ولا شك أن هذا الميل نما فيه مع الزمن وزيارة أوربا وما فيها من آثار العاملين والمفنيين فكان يتوسع في معمله بحسب سنة النمو التدريجي حتى بلغ اليوم مبلغاً يعد به مفخراً من مفاخر سورية الصناعية ونموذجاً من أنموذجات الذكاء الشرقي الذي يبدع ويجيد إذا تهيأت له الأسباب وحملته الدواعي عَلَى العمل.
عَلَى هضبة من هضاب بيروت الجميلة في حي الأشرفية في مكان بعيد عن مركز حركة هذا الثغر يطل عَلَى سفوح لبنان وبيروت من جهة وإلى البحر الرومي من أخرى قامت هذه المعامل البديعة في بقعة فسيحة من الأرض تدخلها فتخل نفسك في إحدى معامل الغرب الكبرى وأول ما يبدأوك بعد الدخول من الرتاج ساعتان عن اليمين والشمال بجانبهما صندوقان معلقان مقسومان إلى بيوت صغيرة وفي كل بيت مقواة كتب عليها اسم أحد العملة وطبع عليها ساعات الغدو والغداء والرواح فمتى وصل العامل بعد الفجر وقبل الإشراق في الشتاء مثلاً يضع مقواته في بيتها فلا تلبث أن تكتب عليها ساعة مجيئه والدقيقة التي جاءَ فيها بحروف عربية وفي آخر اليوم أو الأسبوع يرجع إليها مدير العمل ويحسب المتأخر من المتقدم ويحسبون ذلك بموجب نظام خاص لم جروا فيه عَلَى مثال نظام العمال في سويسرا والبلجيك والنمسا وألمانيا ومن قوانين العملة في هذه الممالك اختار مؤسس المعمل أحسن ما يلاءم هذه البلاد وينفع في نجاح عملته ويعود عليه وعليهم بالربح واقتصاد الوقت.
وهذه الساعة من أنفع ما يجب استخدامه في معاملنا ومطابعنا ودواوين أعمالنا وبيوتنا