للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أبواب مستعمراتها لتجارات كل الأمم وحينئذ لا يكون السبق للإيطاليين بل للإنكليز والألمان لأن السبق في المناظرة التجارية للأغنى مالاً والأوفر علماً والأمهر صناعة. وهيهات أن تعيش إيطاليا في طرابلس الغرب بتعب غيرها وإعنات أهلها فإذا فعلت يحل بها الخراب كما حل برومية في أيامها الخالية.

يحل بها الخراب لأن فكرة العظمة الرومانية يضيق عَلَى إيطاليا الحديثة خناقها ويحرج صدرها فهي تريد أن ترجع إلى أصولها البعيدة وتطمع في غير مطمع ولا تتنازل عن عجبها. تريد بالتهور في الاستعمار أن تغتني وتعيد إلى رومية الثالثة مجداً أضاعته الأيام وفساد الأخلاق والنظام بل تطمع بأن تجعل ممالك أوربا حافات من حول عرشها تسبح بحمدها وتفاخر بمجدها كما طمع نابليون الأول فكان في ذلك إضعاف أمته بأسرها فأهرق دماءها ودماء غيرها وأفقرها وأفقر جيرانها وكان مصيره أسوأ حال.

تحاول إيطاليا اليوم الدعوة إلى إعادة مجد الرومان بجميع أساليب الدعوة من نشر الصحف وإلقاء الخطب وإنشاء المدارس حتى أن الكتب المدرسية التي تعلمها للأولاد تعد فيها نيس وكورس وترانتن من بلادها مع أنها للفرنسيس تسير في ذلك عَلَى سيرة إحياء الشعور الوطني كما كانت تفعل الحكومة عندنا في كتب الجغرافيا التركية فتذكر فيها من أملاكنا ما فقدناه من نحو مئة سنة ولم يبق لنا حق من الحقوق الدولية والشرعية فيه.

تظن إيطاليا أنها تحمل المهاجرين من أبنائها بمئات الألوف إلى طرابلس وفاتها أن هذه البلاد حتى اليوم عَلَى قربها من أوربا ليس فيها سوى ٢٢٠٠ مالطي و١٠٠٠ إيطالي و٧٠٠ فرنسوي و٦٠٠ إنكليزي و١٥٠ إسبانيولياً وبعض الهولانديين والنمساويين واليونان والألمان والأميركان لا يبلغ مجموعهم كلهم خمسة آلاف نسمة وإن أكفأ الناس في التجارة والصناعة والزراعة واقدر الأمم بالملل والرجال هم يستثمرون الأرض فأين هم من الألمان فقد بلغ من حذقهم أن استولوا عَلَى كثير من أعمال التجارة في لندن ونيويورك بل في باريز نفسها وناهيك بكره الفرنسيس لأعدائهم الألمان ولقد قدروا مؤخراً عدد الألمان في باريز وضاحيتها بمئة وأربعين ألفا يتجرون في نفس عاصمة الفرنسيس بجميع أنواع التجارة وينافسون الفرنسويين في أرباحهم فتجد منهم الكتبيين والخياطين والجوهريين والفرائين وشركات الضمان والصيارف وغير ذلك من فروع العمل فلو تدبرت إيطاليا أو