هؤلاء الرجال عبد الرحمن بن خلدون شيخ فلاسفة العمران. على أن فتح الأندلس كان من الغلطات التي جرت على الأمة وبالاً كان في الوسع تحاميه. بيد أن الغلط في فتح هذه البلاد كان باعثاً على ظهور إبداع العرب وفضل ذكائهم في الغرب فحمل ذاك الشعب المبذعر البائد لجيرانه من الأوربيين نموذجاً من الحضارة والعلم.
وإني لأحمد الله على أن أرانا دوراً سقطت فيه كلمة الممخرقين والسفسطائيين فطبع من كتب الأسلاف ما سهل الوقوف على حقائقهم وأخبارهم ومن جملتها كتاب المعجب في تلخيص أخبار المغرب لمحيي الدين أبي محمد عبد الواحد بن علي المراكشي طبعه في ليدن أحد علماء المشرقيات العلامة دوزي الهولندي صاحب كتاب المسلمون في إسبانيا المكتوب باللغة الفرنسية وناشر كثير من مؤلفات الأندلسيين كما طبعه طبعة ثانية غيره من علماء المشرقيات.
لم أعثر لمؤلف المعجب على ترجمة وإنما قال عن نفسه في كلامه على مراكش وبهذه المدينة أعني مراكش مسقط رأسي وهي أول أرض مس جلدي ترابها وكان مولدي بها لسبع خلون من ربيع الآخر سنة ٥٨١ في أول أيام أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن ابن علي ثم فصلت عنها وأنا ابن تسعة أعوام إلى مدينة فاس فلم أزل بها إلى أن قرأت القرآن وجودته ورويته عن جماعة كانوا هناك مبرزين في علم القرآن والنحو ثم عدت إلى مراكش فلم أزل متردداً بين هاتين المدينتين ثم عبرت إلى جزيرة الأندلس في أول سنة ٦٠٣ فأدركت بها جماعة من الفضلاء من أهل كل شأن فلم أحصل بحمد الله من ذلك كله إلا معرفة أسمائهم وموالدهم ووفياتهم وعلومهم وانفردوا دوني بكل فضيلة ولا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع يختص برحمته من يشاء وهو ذو الفضل العظيم.
وهذا الكتاب هو كما وصفه مؤلفه: أوراق تشتمل على بعض أخبار المغرب وهيئته وحدود أقطاره وشيءٍ من سير ملوكه وخصوصاً ملوك المصامدة بني عبد المؤمن من لدن ابتداء دولتهم إلى سنة ٦٢١ ينضاف إلى ذلك نبذة من ذكر من لقيه المؤلف أو لقي من لقيه أو روى عنه بوجه ما من وجوه الرواية والشعر والعلماء وأنواع أهل الفضل ومن الوجوه التي ذكرها لمن قدم له كتابه عذر في غاية اللطف وإن كان في غنية عنه إلا وهو قوله ضعف عبارة المملوك وغلبة العي على طباعه فمهما وقع في هذا الإملاء من فتور لفظ أو