للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إخلال بسرد فهو خليق بذلك على أن عبارة الكتاب في الغاية جزالة وبلاغة شأن معظم ما أثر عن الأندلسيين.

حدد المؤلف أولاً جزيرة الأندلس أجمل تحديد مندمج واضح وذكر خبر فتحها وأتى بأجمع تفصيل لأخبارها وسير ملوكها ومن كان فيها من الفضلاء وذكر هناك حديثاً ضعيفاً في فضل الأندلس وهو في معنى الأحاديث التي يرويها أهل كل بلد من بلاد الإسلام في فضل بلدهم وقال أن معظم ما يروى من هذا القبيل فيه نظر. وأحسن بأن عدَّ من جملة فضائل الأندلس أنه لم يذكر قط أحد على منابرها من السلف إلا بخير إشارة إلى أن بني مروان وإن استولوا على تلك البلاد بعد سقوط دولتهم في المشرق بأيدي العباسيين لم يعمدوا ثمت إلى لعن أحد على منابرها كما جروا مع الخليفة الرابع نحو ألف شهر.

أوجز المؤرخ في ذكر الأمويين لأنه لم يضع كتابه لذكر أخبارهم وإنما أورد طرفاً مجملاً منها حباً بتسلسل الحوادث وعني بذكر دولة المصامدة خاصة فلم يصف عبد الرحمن الداخل بأكثر من قوله: (فلم يزل مستتراً يتنقل في بلاد المرغب حتى دخل الأندلس ودخلها حين دخلها طريداً وحيداً لا أهل له ولا مال فلم يزل يصرف حيلته ويسمو بهمته والقدر مع ذلك يوافقه إلى أن احتوى على ملكها وملك بعض بلاد العدوة وكان أبو جعفر المنصور إذا ذكر عنده قال ذاك صقر قريش وكان عبد الرحمن بن معاوية من أهل العلم وعلى سيرة جميلة من العدل.

وبعد فلو اعتدل المترجمون في ذكر مترجميهم إلى هذا الحد لما احتاج المطالع في تمحيص الحقائق إلى روية زائدة ولسقط كثير ممن تلتمس بركاتهم ويترضى عنهم كلما ذكروا. وقال في هشام بن عبد الرحمن أنه كان حسن السيرة متحرياً للعدل يعود المرضى ويشهد الجنائز ويتصدق بالصدقات الكثيرة وربما كان يخرج في الليالي المظلمة الشديدة المطر ومعه صرر الدراهم يتحرى بها المساتير وذوي البيوتات من الضعفاء ولم يزل هذا مشهوراً من أمره وذكر ولده الحكم بن هشام الملقب بالمرضي بأنه طاغ مسرف وله آثار سوءٍ قبيحة قال (وفي أيامه أحدث الفقهاء إنشاد أشعار الزهد والحض على قيام الليل في الصوامع أعني صوامع المساجد وأمروا أن يخلطوا مع ذلك شيئاً من التعريض به مثل أن يقولوا يا أيها المسرف المتمادي في طغيانه المصر على كبره المتهاون بأمر ربه أفق من سكرتك