الخطأ الشائع أشد رسوخاً من الحكم العقلي وإن الخرافة أقوى أثراً من الحقيقة، فلا يمكننا أن نسلم بوجود نفر يعتقدون بان مسألة الجنسيات خطأ وقتي أو حاجة من حاجات البدئ (المودة) يصفونها بأنها قضية روحية استهوت كثيراً من العقول الكبيرة لكنها لا تلبث أن تتلاشى. وفي الواقع أن هناك فئة من الناس يدعون سياسيين يدعون أنهم يريدون مستقبل الأمم وهم يزعمون أن مسألة الجنسيات إنما اخترعها نابليون الثالث لإيجاد الصعوبات في داخلية الحكومات الأخرى فيكون له منها نصراء يظاهرونه في سياسته، سياسة التطوح. وما أحق أولئك الأدعياء من الساسة بنعوت الحماقة والبله لولا اعتبار أنهم مرتبط بشعب تنبه الشعور الجنسي فيما يعد خطراً عَلَى وحدتها، فتصدهم أطماعهم، وخوفهم عَلَى مستقبلهم، وبغضهم رقي الأمم، والحنق الذي يستولي عليهم بدنو فقد امتيازاتهم المغتصبة عن ملاحظة الحوادث ودرسها. مثل هؤلاء الساة نجده في فرنسا الذي أضاع سلطانها في أوربا تكون الوحدتين الألمانية والإيطالية، وفي النمسا حيث الأمم المغلوبة عَلَى أمرها تطالب الأمم الغالبة بحقوقها، وفي بلجيكا حيث ينتاش الفلمنكيون حريتهم من أيدي الوالونيين. وأما الذين لا تعمي بصيرتهم الأغراض الشخصية فيعترفون بأنه تنبه الشعور الجنسي حادثة طبيعية تظهر ضرورة عند حد محدود من النشوء البشري لا يمكن إعاقتها أو منعها إلا إذا أمكن إعاقة مد البحر وجزره أو منع حرارة الشمس من أن تصل إلينا إبان الصيف. فالذين يقولون بان الأمم ستنبذ جنسيتها فلا تعد تذكرها ليسوا أكبر عقلاً من ذلك الغلام الذي قال لأمه وهي تضمه:(متى أصبحت طفلاً صغيراً مثلي فانا أيضاً أحملك!).
وما هو أساس الجنسية، وما هي علامتها الفارقة؟ لقد كثر البحث في هذه المسألة واختلفت فيها الآراء. فقال بعضهم بالجنس يعني الأصل الفطري. والخطأ في هذا القول محسوس بحيث يوجب الأنفة من الرد عليه. أنا لا أعتقد بوجود الجنس البشري وإنما الشعوب المختلفة أنواع ثانوية لجنسنا، والاختلافات الشكلية واللونية لم تنشا عن تغير الجنس الواحد بسبب تأثير الإقليم بل منشئوها الحقيقي تعدد الجنس، يظهر لي أن السبب بين الأبيض والحبشي أو بين البابو والهندي ليس أعظم من النسب بين الفيل الأفريقي والفيل الهندي أو بين الثور وبين الجاموس الأميركي. ولكننا قلما نجد في جنس واحد كالأبيض مثلاً من الاختلافات المهمة ما يسمح لنا بوضع ميزة فارقة وحدود بين أشكال الجنسيات المتنوعة.