ويوجد في كل شعب أبيض أفراد ذوو قامات كبيرة أو صغيرة وشعور زاهية أو قائمة وعيون زرقاء أو سوداء وهامات مستطيلة أو عريضة وأمزجة باردة أو حادة وبينا نرى بعض هذه الصفات متغلباً في شعب وغير متغلب في شعب آخر لا نجده في الصفات الطبيعية أو العقلية أقل معنى فيتمييز الفرد ونسبته نسب محدود مثلما نجد في البشرة السوداء وشكل الوجه وتجعيد الشعر من تمييز الحبشي ونسبته لجنس محدود.
إن جميع التجارب التي جرت لإيجاد (شكل متوسط) خاص لكل شعب لم تجد اقل فائدة علمية. ولقد نكون قراءَة أوصاف هنا الشكل المتوسط لذيذة تهيج فينا عاطفة حب الذات لكنها في الواقع لم تخرج عن حد التخيل. عَلَى أن خطوط ذلك الشكل لو كانت غير خيالية ليست سوى رسوم ظاهرية في المرء - لا صلة بينها وبين حياته الداخلية - طبعت عَلَى بشرته ويمكن أن تمحى عنها متى تقدم في العمر، إنها لا ترسم عليه إذا نقل وهو طفل إلى بيئة غير التي ولد فيها وعرض لتأثيرات جنسية غريبة. إن (شاميسو) مؤلف كتاب بطرس شليمهل أو الإنسان الذي أضاعه ظله كان غلاماً متأدباً أيام لم يكن يعرف من الألمانية حرفاً فأصبح بعد ذلك شاعراً ألمانيا يضاهي أكبر الشعراء الألمان الذين يزعمون أن دم الجرمان القدماء (ضيوف تاسيت) يجري في عروقهم والمؤرخ (ميشليه) ولا أعني ذاك الإفرنسي المتحمس بل الفيلسوف (الألماني) بما ظهر عليه من الصفات العقلية التي عدها علماء الإنسان من ميزات الجرمان: كالحصافة، والجد الأدبي، حتى التعقيد في الإنشاء! والمفكر جول دوبوك العريق في إفرنسيه - كان أبواه يفتخران أن بدمهما الإفرنسي الخالص - وهو الذي اشتهر بكتاباته بالطريقة الأيديالسنيه الألمانية خاصة، ودوبواريموند الإفرنسي الذي أصبح المثل الأعَلَى للعالم الألماني، أما تيودور كونتان فإنه لم يكن ألمانياً فقط بل ألمانياً شمالياً بتأملاته الطبيعية وتحليله للنفوس. . . الخ الخ وهكذا قل عن أي شعب أوربي شئت فإنك تجد فيه مثل هذه الحوادث شيئاً.
من ذا الذي قرأ مؤلفات لوثر أولباخ وجين موللر - مؤلفة رواية - وشوللر وديتز ولا يعتقد أنهم إفرنسيون أقحاح؟ بل من ذا الذي لا يرى في مؤلفات هرتزنبوخ وبيكر صفات الشعراء الأسبان؟ أو من يرى في دانتي شيئاً غير إنكليزي حاشا اسمه قد يكفي أن يعيش المرء في أمة ليقتبس عاداتها وأخلاقها الحميدة والذميمة دون أن يكون بينه وبينها صلة