رحم وإن ظهر لنا ما يناقض هذه الحقيقة في شخص بعض الكتاب وأرباب الفنون فيجب علينا إذن أن نبحث عما إذا كانوا أو كنا نحن متأثرين بأحد مصدرين للخطأ يصعب اجتنابهما.
من البديهي أن نميل إلى البحث في شاميسو مثلاً عن صفات نلصقها بالإفرنسيين ظلماً فنجدها فيه والسبب في ذلك سرعة تغير صور الحوادث في أذهاننا فتتطور طبقاً لما علق في أفكارنا من الصور المغلطة، ومن جهة أخرى نرى أن من المألوف عند الشاعر أو صاحب الفن العائش في إنكلترا أن يبقي في رأسه فكرة وطن أجداده فيخيل إليه أنه من الواجب عليه أن يكون ذا أطوار تذكره بذلك الوطن وبسبب الاستهواء الناتج عن تلك الفكرة نراه لا يفتأ يغير في طباعه - من غير أن يشعر - ويألف أطواراً أخرى صناعية حتى يكون مماثلاً لمواطنيه الأصليين، والمضحك في هذا الأمر أن لا يظهر في صفات بني وطنه الحقيقية بل يلتبس الصفات التي ينسبها الإنكليز عادة لمواطنيه خطأً.
فالجنس إذن لا يمنح حقاً في جنسية محدودة وها إن ابناء الهوهكنوت الذين هاجروا إلى مقاطعة (برادنبرخ) أصبحوا اليوم من أحسن الألمان وأبناء مستعمري أمستردام الجديدة من الهولانديين هم الآن أميركيون شماليون لا يختلفون عن الأميركان الأصليين في شيء. فالحروب وكثرة المهاجرة مع حركة الأفراد وتنقلهم جمعت بين العناصر المختلفة في بادئ الأمر ومزجتها مزجاً غير قابل للانحلال، وجميع شرائع الأمم الممدنة ظهر عدم الاهتمام بصلة الدم بما تبدي من ضرورة التساهل في قبول الأجانب في تابعيتها وتجنيسهم بجنسيتها بحيث يكون لهم من الحقوق والواجبات ما لرعاياها الأصليين.
ولما كان أساس الجنسية المبني عَلَى الأنتروبولوجيا (علم الإنسان) غير كاف، حاولوا أن يخترعوا لها أساساً تاريخاً قانونياً فقالوا: إن ما يكون الأمة هو ماض عام ومستقبل عام هو الحياة العامة في ظل حكومة واحدة وشرائع واحدة، وهو ذكرى أفراح وأتراح تقاسمها أفراد الأمة سواءً. هذه القضية عَلَى ما بها من الزخرف الخطابي إن هي إلا سفسطة يرفضها العقل مؤيداً بالحوادث. سل من شئت من الروثانيين - أهل غاليسيا - عما إذا كان يشعر بأنه بولوني بالرغم من مشاطرة الروثانيين والبولونيين، منذ نيف وألف عام في حياتهم وشرائعهم وحكومتهم السياسية. واسأل أي (فيني) أو (سيومي) - كذا يلقبون أنفسهم - هل