يتعبر نفسه أسوجياً فنلندياً مع أنه يساكنه ويعيش معه تحت ظل حكومة واحدة منذ أكثر من ألف عام أيضاً. نعم عن اتحادهما في الشرائع وفي الحكومة ولاسيما في العادات وفي الأخلاق مما يستلزم تآلفهما وينبه فيهما عاطفة التضامن والتكافل. وعَلَى عكس ما يجري مع اليهود فإنهم قلما تعتبرهم المم يعيشون في حضنها جزءاً منها. وذلك بأنهم لا يزالون متعلقين تعلقاً أعمى لعادات أجدادهم - كاستعمالهم الميقات، وتعظيمهم أيام الأعياد والبطالة، واحترامهم الشريعة الخاصة بالمآكل واتخاذهم السكنى. . . الخ - التي تخالف كل مخالفة قواعد مواطنيهم المسحيين والتي من شأنها أن تنبه في هؤلاء عاطفة الاستقلال والافتراق عنهم. فمثل هذا الاتحاد قد لا يكفي لأن يؤلف من شعوب شتى شعباً واحداً ذا جنسية واحدة.
كلا إن هذا إلا تمويه لا تلبث الحقيقة أن تبدده، وما أندر أن يظهر منشأ الإنسان الطبيعي مرسوماً عَلَى محياه إذ القاعدة العامة تنكره ولن تقوى عَلَى إثباته. إنه لا يشعر به في نفسه، وكل ما قيل في حق (صوت الدم) ليس إلا سفاسف يبني عليها القصصيون خيالاتهم، وليس للشرائع والإدارات السياسية وحدها من القوة ما يكفي لتحديد الجنسية عَلَى مالها في من التأثير في تهذيب أخلاق المرء. وما يحدد الجنسية في الحقيقة إلا اللغة. فيها وحدها يصبح الإنسان عضواً في جسم الأمة وهي وحدها تخوله الجنسية. فلنتمثل حق التمثيل مكانة اللغة للفرد وحظها في تكوين وجوده وفكره وشعوره ومظهره الإنساني.
باللغة يتكيف نظر الإنسان حسب نظر الشعب الذي هذبه ورقاه وأودع فيه وفي تركيبه أدق حركاته الفكرية وارق خصائص عالم تصوراته، باللغة يصبح الإنسان ابن الشعب ووارث مفكريه وشعراءه ومؤدبيه وقادته، باللغة يخفض المرء جناحه لأدبيات الشعب وتاريخيه بفضل ما يؤثران في جميع أفراد ذلك الشعب فيجعلانهم سواء في الشعور والعمل. حقاً إن اللغة لهي الإنسان نفسه. بها يدرك صفات الحوادث الكوني العامة، وبها يؤثر في العالم الخارجي، إلا وأن فرداً واحداً من ملايين الخلق يفكر بذاته ويلبس تأثيرات الحواس عليه صوراً شخصية وسائر الملايين من الخلق تتبع ذلك الفرد عن بعد أو عن كثب، في أفكاره بما وصل إليهم منها بواسطة اللغة. كما أن فرداً واحداً يعمل، ويبث مدركاته في الناس والوجود بأعماله الآمرة، بينا ملايين الخلق تنحصر أقوالها في إظهار ما وصلت إليه