جزءاً من جهادهم في تمهيد العقبات الطبيعية إذ أرادوا إنشاء دولة تكون لهم ملجأً حصيناً ويجب عليهم حينئذ أن يدافعوا عن أنفسهم خصومهم كما يفعلوا بالمستنقعات والسيول والثلوج والمنحدرات والحمر والوحوش الضارية والجوع والبرد وأن يعتبروا المعيشة الطيبة التي لم يظفروا بها في بلادهم والتي صادفوها في غير وطنهم كثمرة لتغلبهم عَلَى جميع العقبات الطبيعية البشرية بعد أن عرضوا في سبيلها حياتهم. أما إذا كانت البلاد التي استوطنوها آهلة من قبل فيجب عليهم أن يعرفوا الشروط التي بها نالوا الضيافة. فإن كزان من تلك الشروط أن ينبذوا جنسيتهم وكانوا قد رضوا بذلك فضعفهم وجبنهم لا يستحقان الشفقة. ولمضيفيهم أن يرغموهم عَلَى التنازل عن لغتهم وذاتيتهم لقاء الخبز الذي يجودون به عليهم. وغ١ذا كانوا قد احتلوا جزءاً من بلاد أجنبية دون أن يؤدوا ثمناً شائناً لها الاحتلال فيقتضي أن يكون عندهم الآن من الإدارة والقوة ما يمكنهم مما كان يجب عليهم فعله في بدء احتلالهم لو قوبلوا بالعداء فأما أن يبرحوا الأرض حالاً وأما أن يغتصبوا بحد السيف قطعة من البلاد أو أن يقعوا في تيهور كانوا عاجزين عن الخروج منه.
عَلَى هذه الصورة تتمثل أمامي مسالة الجنسيات فهي كالفصل الخامس الأخير لقصص تاريخية محزنة بجا بعضها من زمن هجرة الشعوب وأكثرها بعد ذلك بكثير وقد طالت فترة ما بين الفصول لكنها لن تدوم، فالستار ارتفع والكارثة عَلَى وشك الوقوع، إنها ستكون شديدة قاسية وكذا تكون مقادير كل كائن حي إذ الحياة جهاد لا رحمة فيه. وليست هذه مسالة حقوق بل مسالة قوة في أعَلَى وأعظم معانيها. وما من حق يضطر الكائن الحي للتنازل عن الأسباب الضرورية لحياته، ولا يمكن ذلك إلا بالقوة، والقوة تسبب الدفاع والممانعة. وهل يطلب من الأسد أن يبرز صكاً يخوله الحق في افتراس الحمل. السد يغتصب الحمل اضطراراً وهذا مبدأ حقه في افتراسه. لا جرم أن للحمل الحق بقتل الأسد إن قدر عليه. . . وحيثما تكون الحياة أو يماثلها معرضة للخطر يتساوى الحق بالقوة وهذا ظاهر حتى أن الشرائع البشرية جميعها تبيح للفرد الدفاع عن نفسه أي أنها تسمح له في بعض الأحوال أن يستعمل القوة في الدفاع عن حقه. أوليست الحرب حالة من حالات الدفاع عن النفس بين الشعوب لا بين الأفراد؟ إذ رأى الشعب ما هو ضروري له مد يده لامتلاكه وحقه في هذا الشيء هو عين الحق الذي للسد في افتراس الحمل. فإذا شاء شعب