والأبحر العرفية. عَلَى أن لهذا الشعر المطلق وزناً جديداً مخصوصاً وقد تجيء القصيدة منه من أبحر عديدة متنوعة. وولت وتمن هو مخترع هذه الطريقة وحامل لوائها وقد انضم تحت اللواء بعد موته كثير من شعراء أوربا العصريين وفي الولايات المتحدة اليوم جمعيات وتمنية ينضم إليها فريق كبير من الأدباء المغالين بمحاسن شعره الجليلة المتخلقين بأخلاق الديمقراطية المتشبعين بفلسفته الأميركية. إذ أن شعره لا ينحصر مزاياه بقالبه الغريب الجديد فقط بل فيه من الفلسفة والتصور ما هو أغرب وأجد.
ولا نقول في هذا الجزء إلا كما قلنا في الجزء الأول (م٥٠ ص٢٢٠) تتدفق حرية الفكر من أطراف ورقة الإحساس منت سطوره وبعد النظر من مراميه ومعانيه وكله معان فلسفية في قوالب عصرية وروح شفافة في شعور جديد فقد قل في أرباب الأفكار مثل هذا النفس في إصلاح الأفكار والتلطف في بلاغ العقول الجامدة محاسن الحضارة المدهشة والتجديد المفيد.
وقلما شاهدنا أثر المحيط في كتابة كاتب كما شاهدناها في صديقنا الريحاني فكتابته يوم كان في أميركا تذكر سيئات المدنية الغربية التي لا تعرف إلهاً غير الماديات حتى إذا عاد إلى الفريكة مسقط رأسه في لبنان عاد يحبب العزلة وينفر من تلك المدنية المادية ولكنه يدعو إلى فك العقول من قيودها والأخذ بما ينفع من مدنية لا تكون شرقية ولا غربية كتلك الشجرة المباركة ولكنه كان في كل موضوع يخوضه يجعل للحرية المطلقة نسيباً وافراً من أقواله ولذلك نقم عليه أعداء العقل وعبيد القيود من المتنطعين من رجال الدين وحاربوه حرباً لم يكد يحاربه سوري ولكن إخلاصه شفع فيه فلم ينل بأذى وهو اليوم شعلة الذكاء الشرقي في بلاد الغرب وعنوان الهمة العالية أمام المشارقة.
يعلم المؤلف جد العلم أن من يصرح بما يصرح به يحارب ويطعن فيه الطعن المبرح في بلاد لم يزل لأوهام المتنطعين شدة وعرامة وهم لا يرون إلى النيل منه أكثر من رميه بالإلحاد وإنكار الصانع ولكن من يقول (ص١٠) إنا للطبيعة وإنا إليها راجعون وشكرت الله شكراً جزيلاً لا يدل عَلَى أنه ملحد بالمعنى الذي يصورونه بل هو ملحد في التقاليد الضارة حر في إفصاحه عن رأيه عَلَى أساليب لم يألفها غير المنورين من سكان هذا الشرق الأقرب.