قال (ص١٣) إن الفرق بين الأولياء والأطباء قليل لا يستحث الذكر فكم من طبيب فاضل يستحق أن يطوب قديساً أو يدعى ولياً بعد موته فقد تعرفت بفضل آلامي العصبية بعدد وافر من هؤلاء الأفاضل وبان لي بالاختبار ما كنت أجهله. تحققت أن الفرق بين الطبيب والكاهن كالفرق بين الكاهن والمحامي كلهم نفعنا الله بعلمهم وبرهم يتعاطون الجربزة. كلهم يتاجرون بشيء من الحقيقة وكثير من الخزعبلات والأوهام عَلَى أن الطبيب أرفع درجة من الكاهن والكاهن أرفع درجة من المحامي.
وصرح في (ص٢٧ و٢٩) بعيوب الإكليروس وتهاونه لا لمجرد الطعن بل للإصلاح لأنه لا يريد أن تظل آدابنا (٤٨) تحت سيطرة المتدينين والمتنطعين (ولو قال المتنطعين من المتدينين لخلص من اللوم) وأنفسنا من ربقة رجال الدين وإن لم نتجرد من هذا الاستبداد الديني أو بالحري السفسطي كما تجردنا من الاستبداد السياسي تظل آدابنا مبتذلة جامدة خاسئة.
هو يقول (٥١): عَلَى تقريرات رجال الدين وخزعبلات العبادات قام عبد الوهاب في نجد ولوثيروس في وتنبورغ وجون نكسن في إنكلترا وغيرهم في البلاد كثيرون فما ضرنا ولا استغنينا عن المتكهنين المدلسين وتفلتنا من ربقتهم واعتصمنا بدين الله وبأنبياء الله ثم قال: إني أحترم العاطفة الدينية التي تكاد تكون فطرية في الإنسان ولكني لا أجد في خزعبلات هؤلاء الناس وفي تنطعهم - وقد قيل هلك المتنطعون - ما يساوي ذرة من نفس امرئٍ راقية.
ومن يقول فكرة بهذه الصراحة لا يرمى بالإلحاد والمروق ولكن المؤلف ينحي كثيراً عَلَى رجال الدين في قومه يريد بالقوارص التي يوجهها إصلاحهم ودعوتهم الوطنية لئلا تفرقهم المذاهب (١٣١) فإن عدوا عليه مثل هذه الهنات وربما أتى بعضها من كونها لم يرزق كل حين حظاً من جمال التعبير أو أنه بين ولم يجمجم والجمجمة كالتقية لا بأس بها بين القوم المخالفين إذا خشيت الفتنة فقد أتى بحسنات لا ينكرها عليه أشد الناس حطاً من خصومهم قال (ص٤٥):
نحن اليوم واقفون بين هاتين المدنيتين بين مدنية غازية منتصرة وأخرى مدبرة فعلينا أن لا نخضع عَلَى الإطلاق لهذا الفاتح القوي وأن نمسك بما في مدنيتنا من الخير الروحي ولا