للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ينجينا من استبداد هذه المدنية الفاتحة القاهرة ويحفظ لنا حسنات تلك المدبرة سوى الآداب. ولا أريد بالآداب الكتب فقط بل أريد منها آداب النفس أولاً والأخلاق. إن الدين هو أبو مدنية الشرق يرفض بتاتاً مدنية الغرب والعلم المادي هو مدنية الغرب يرفض بتاتاً مدنية الشرق فالدين والعلم في هذا الموقف متغرضان كل لقومه ولا ينفعنا الواحد منهما دون الآخر. وإني لأجد في كل قوى الفكر والنفس وثمارهما أصلح وأنجع من الآداب تجمع بين الاثنين فينشأ عن ذلك مدنية جديدة قوامها الصنائع والفنون وشعارها الإخاء العام. واعلموا أن الفنون السامية الجميلة هي التي تتغذى من العلم والدين معاً والأمة التي تجعل مثل هذه الفنون أساس حياتها الاجتماعية تكون ولا غرو مجد المستقبل وأم الأمم. عَلَى شطوط البحرين وفي أودية الرافدين أحب أن أشاهد مثل هذه المدنية الجامعة بين محاسن المدنيتين. أحب أن أرى في قلب العالم جمال روح العالم وكمالها. أحب أن أرى في بلاد الشام وبلاد العرب ثمار الأنبياء وثمار العلماء عَلَى شجرة واحدة. أحب أن تزرع بساتين هذه الأرض المقدسة من تلك الشجرة المباركة شجرة لا غربية ولا شرقية.

وقال في التساهل الديني وإنه موجود بين الدول في معاملاتهن إحداهن للأخرى ولكنه غير موجود بين الأوربيين ومن يدعونهم بالمتوحشين فالدول (١٢٣) لا تتساهل مع هؤلاء المساكين الضعفاء بل تتساهل بعضها مع بعض لأنها تضطر إلى ذلك وليس حباً بالمبدأ الشريف وكثيراً ما نراها تشهر الحروب عَلَى القبائل الضعيفة وتدعوها حروب الإنجيل وذلك لكي يدين البرابرة بالدين المسيحي كرهاً وجبراً. وهذا هو التعصب الدولي الديني هذي هي الاضطهادات التي تمارسها ضد البرابرة كما تزعم والبرابرة قوم يشعرون وهم يريدون مثلنا. هذه هي حروب شارلمان وحروب الملكة حنة الإنكليزية والملك كارلوس الإفرنسي هذه مذبحة ليلة القديس برتلماوس فعوضاً عن حدوثها في باريز وفي القرن السابع عشر تحدث الآن في صحاري أفريقية وفيافي آسيا وتلول السودان وفي أواخر القرن التاسع عشر. يا للعار ويا للشنار! عبثاً يكتب العلماء ويندد المصلحون ويبحث الفلاسفة عبثاً أتى المسيح إلى الأرض لمثل هؤلاء القوم.

وبالجملة فالريحانية كلها آية في الحرية داعية إلى التساهل الديني محببة بالمدنية المعقولة المحبوبة مقربة بين القلوب جارياً عَلَى حد قوله الكتب المقدسة تصلح الحياة ولكنها لا تعمر