وبعد وفاة محمد أخذ العرب ينشرون الإسلام بمثل هذه الطرق ولم يبعثوا لدعوة الشعوب الأخرى إلى الإسلام رسلاً كما فعل المسيحيون بل جيوشاً فقد قال الرسول وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله وحرب المشركين جهاد مقدس والله مع المجاهدين ومن قتل منهم فجزاؤه الجنة.
وقد عني الخلفاء بعد الرسول بهذا الجهاد فكانوا يبعثون إلى جميع الشعوب المجاورة رسولاً يعهدون إليه أن يخيرهم بين ثلاثة أمور: القرآن أو الجزية أو السيف ومن يسلم يكون كمن سبقوه بالإيمان ومن يخضعون ويؤدون الجزية يصبحون رعايا وذمة ومن يقاومون يقتلون ولم يستطع أحد أن يقف في وجه هذه الجيوش المتعصبة فغلب المسلمون في الشرق عَلَى سورية وفلسطين وجميع مملكة فارس وأرمينية وتركستان وجزء من بلاد الهند وفي الغرب عَلَى مصر وطرابلس وأفريقية وإسبانيا وخضع جميع المغلوبين عَلَى أمرهم إلا قليلاً ولم يبق مسيحيون إلا في ولايات الإمبراطورية القديمة وفي أقل من قرن (٦٢٢ - ٧١٧) انتشر الدين الجديد من بحر الظلمات إلى نهر السند وما من دين انتشر بهذه السرعة ولم تلبث مملكة الخلفاء أن انهارت عَلَى الأثر ولكن ظلت جميع البلدان التي أسلم أهلها عَلَى إسلامهم.
وما قط أضاع الإسلام أرضاً دخل فيها إلا إسبانيا وكثيراً ما ربح بعد أراضي جديدة فإن الأتراك حملوا هذا الدين إلى القسطنطينية ولا يزال لعهدنا يدخل أمم في هذا الدين في بلاد الهند والصين وماليزيا ولاسيما بين زنوج أفريقية. والإسلام دين سهل عَلَى مستوى ذكاء الشرقيين ويبلغ عدد المسلمين اليوم نحو مائتي مليون فإذا كانت النصرانية دين أمم الشمال فلإسلام دين شعوب الجنوب.
المملكة البيزنطية
المملكة البيزنطية - كاد البربر الذين أغاروا عَلَى بلاد الإمبراطورية الرومانية يوجهون وجهتهم إلا قليلاً قبل المغرب ولذا بقي في القسطنطينية إمبراطور يحكم الشرق كله. ويقي قرنان (الخامس والسادس) والإمبراطورية الرومانية محتفظة بعد بنصف مملكتها القديمة عَلَى الأقل وحكمها نافذ في آسيا الصغرى وسورية ومصر وفي جميع البلاد الواقعة شرق البحر الإدرياتيكي حتى لقد خضعت لها إيطاليا وافريقية وشطر من إسبانيا بضع سنين ثم