يخضعوا لنائبه حتى لا يكون في الأرض سوى قطيع واحد وراع واحد.
وقد كتب بونيفاس الثامن سنة ١٢٩٦ إلى ملك فرنسا يقول: اسمع يا ولدي كلام أب شفوق وإياك أن تعتقد بأن ليس فوقك يد وأنك غير خاضع لزعيم رجال الدين. وكتب سنة ١٣٠٠ في المنشور المشهور أن الكنيسة واحدة هي جسم واحد ليس له إلا رأس واحد لا رأسان كالمسخ هو خليفة القديس بطرس علمنا الإنجيل أن في الكنيسة سيفين زمني وروحي تستعمل الكنيسة ويد البابا أحدهما والثاني الكنيسة ويد الملوك بأمر البابا.
مضتى القرون الأولى وليس في الكنيسة سوى قوانين أي قواعد وضعتها المجامع وعندما عرف البابا سلطته إلى جميع رجال الإكليروس أصبحت أوامره قوانين للكنيسة عَلَى نحو ما كانت قديماً أوامر الإمبراطور الروماني شرائع للملكة وقد جميع كراتين الراهب الإيطالي في القرن الثاني عشر الأوامر التي نسبت لقدماء الباباوات وألف منها كتاباً سماه الديكري أي الأمر. فزاد عليه الباباوات في القرن الثالث عشر عدة مجاميع جديدة مؤلفة من رسائل الباباوات التي ظهرت بعد جميع الرسائل الأولى وهكذا فكما أن يوستينيانوس ألف مادة الشريعة المدنية ألف الباباوات مادة الشريعة القانونية التي ظلت قانوناً للكنيسة.
المدنية الشرقية في الغرب
تقدم شعوب الشرق في القرون الوسطى - ليمثل القارئ لعينيه المدنيتين اللتين كانتا في القرن الحادي عشر تقتسمان العالم القديم ففي الغرب مدن حقيرة صغرى وأكواخ فلاحين وقلاع لا هندسة لها وبلاد مضطربة عَلَى الدوام بالحرب لا يتأتى أن يسير فيها السائر عشرة فراسخ بدون أن يسلب وينهب في الشرق مدن القسطنطينية والقاهرة ودمشق وبغداد وجميع مدن ألف ليلة وليلة بما فيها من قصور المرمر والمعامل والمدارس والأسواق والحدائق الممتدة عَلَى بضعة فراسخ وبرية تروي أحسن إرواء غاصة بالقرى والضياع وحركة التجار التي لا تنقطع فتراهم يذهبون بسلام من إسبانيا إلى فارس ولا شك أن العالم الإسلامي والعالم البيزنطي كانا أغنى وأحسن نظاماً ونوراً من العالم الغربي فكان المسيحيون يشعرون بنقصهم في التهذيب ويعجبون ببلاهة بما يبدو لهم من غرائب الشرق ومن يحب التعلم يقصد إلى مدارس العرب. وبدا العالمان الغربي والشرقي في القرن الحادي عشر يتعارفان ودخل المسيحيون البرابرة إلى حمى المسلمين الممدنين من طريقين