للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمم والشعوب. فأشبهت هذه الإمارات الممالك التي أسسها زعماء المحاربين العرب أو الأتراك حيث تمتزج الحكومة والجيش وتهلك وإياه. وطال عمر هذه الإمارات قرنين وهي حياة تعد طويلة في الممالك الشرقية ولو تيسرت هجرة قوية لها لتوطدت أسسها إزاء آسيا الإسلامية والبيزنطية ولكن أوربا في القرون الوسطى لم تستطع أن تقوم بهذه الهجرات.

مضى نصف قرن ولم يشتغلوا بغير حرب صغار الأمراء في سورية وكان مسلمو مصر يعيشون معهم بسلام وهذا زمن نجاحهم ولما أتى صلاح الدين عَلَى الخلافة بمصر فقرضها وتألف بدلاً منها حكومة عسكرية في القاهرة وهوجم المسيحيون من جهة مصر فلم يستطيعوا أن يقاوموا زمناً طويلاً (كما دلت عَلَى ذلك انتصارات صلاح الدين) فإذا كانوا احتفظوا بممالكهم قرناً آخر فذلك لأن السلاطين لم يحرصوا أن يبيدوهم. لا جرم أن هذه الحرب كانت في نظر المسلمين جهاداً مقدساً ولكنها انقطعت بمهادنات بضع سنين ولا ينبغي لنا أن نتصور جميع أمراء المسيحيين متحدين عَلَى أمراء المسلمين بل كانت المصالح السياسية أشد قوة من البغضاء الدينية وما برح أمراء النصارى يتقاتلون بعضهم مع بعض كما كأمراء المسلمين يقتل بعضهم بعضاً وقد حدث أن أميراً مسيحياً تحالف مع أمير مسلم عَلَى أمير مسيحي. وما قط كان الاتفاق تاماً في جيش النصارى فالحماسة التي كانت تجمعهم لم تأت عَلَى منافستهم في التجارة ولا عَلَى تباغضهم الجنسي وكان النزاع دائماً بين الأمراء من مختلفي الممالك بين الفرنسيس والألمان والإنكليز بين تجار جنود جنوة وتجار البندقية بين التامبلية والإسبتالية (فرسان الهيكليين والمقرين) وكثيراً ما تقاتلوا. ومثل ذلك الخلاف بين الصليبيين القادمين من أوربا والإفرنج المقيمين في سورية. ولقد اتخذ الإفرنج عادات الشرقيين لما عاشوا بين أظهرهم فاستعملوا الحمامات والألبسة المسترسلة ونظموا خيالة مسلحين عَلَى الطريقة الإسلامية وانشئوا يعاملون المسلمين معاملة المجاورين ولا يحاربونهم بدون داعٍ. وأراد فرسان الغرب القدمين وقد ملئت صدورهم غيظاً من المسلمين أن يبيدوا كل شيءٍ وقد حنقوا من هذا التسامح فكانوا إذا خرجوا من البحر ينقضون عَلَى الأرض الإسلامية ويهرعون للتقاتل والنهب وكثيراً ما كانوا لا يسمعون لما ينصح لهم به مسيحيو البلاد الواسع اختبارهم في الحرب في الشرق أكثر منهم. ولقد وصف مؤرخو الغرب نصارى الأرض المقدسة بالنذالة والخديعة والفساد