حرب أو تسويد رئيس وما يجري هذا المجرى لأن السيف في أمثال هذه الأحوال ربما مست الحاجة إليه ولذلك قال جرير:
ولا يحتبى عند عقد الجوار ... بغير السيوف ولا يرتدى
وفي غير هذه الأحوال إنما يحتبون بالأردية وغيرها.
(ومنها) قول حاتم:
أما والذي لا يعلم السر غيره ... ويحيي العظام البيض وهي رميم
لقد كنت أختار القرى طاوي الحشا ... محافظة من أن يقال لئيم
وإني لأستحيي يميني وبينها ... وبين فمي داجي الظلام بهيم
المعنى أن أقري الضيف وأنا طاوي الحشا لأني أوثره عَلَى نفسي. وقد يسأل عن مراده في البيت الثالث ولم يكن يأكل في الظلمة والجواب أنه بلغ من إكرام العرب للضيف إن أحدهم ربما أطفأ النار وأمسك عن الأكل أوهم الضيف أنه يأكل ليشبع الضيف.
(ومنها) قول الفرزدق:
ولما تصافنا الأدواة أجهشت ... إلي غضون العنبري الجراضم
وجاء بجلمود له مثل رأسه ... ليسقي عليه الماء بين الصرائم
عَلَى حالة لو أن في القوم حاتماً ... عَلَى جوده لضن بالماء حاتم
التصافن اقتسام الماء بالحصص وكانت عادتهم إذا كانوا في فلاة وقل الماء ولم يوجد معهم إناءٌ صغير يقسمونه به تصافنوه بأن يضعوا في الإناء الكبير حصاة ويسكبون فيه الماء بقدر ما بغمر الحصاة فيعطاه كل رجل منهم وقصة كعب بن مامة في المصافنة وتفضيله النمري عَلَى نفسه حتى مات عطشاً مشهورة وبسببها ضربوا به المثل في الجود وهو الذي عناه جرير بقوله لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:
وما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك يا عمر الجوادا
وبقي في هذه الأبيات جرهم لفظ حاتم والوجه رفعه عَلَى أنه فاعل تضن ولكنهم رووه هكذا تبعاً لقوافي القطعة وخرجوه عَلَى أنه بدل من الهواء في وجوده ولهم في ذلك خلاف وكلام طويل الذيل ليس هنا موضع استيفائه ولو خيرت لكنت اختار رفعه عَلَى الإقواءِ تخلصاً مما تكلفوه. وقال التنوخي في الأقصى القريب ويروى (ضنت به نفس حاتم) ولا إشكال