حتى أرى فارس الصموت عَلَى ... أكساء خيله كأنها إبل
وليس المراد أنه امتنع عن خمر لمجرد حزنه أو لاشتغاله بأخذ الثأر كما هو ظاهر المعنى بل هو مبني عَلَى عادة كانت لهم وهي أن الواحد منهم إذا أصيب بوتر كان يعقد عَلَى نفسه نذراً في مجانبة بعض اللذات.
(ومنها) قول مرة بن محكان التميمي في وصف ناقة نحرت وهو من شعراء الحماسة:
زيافة بنت زياف مذكرة ... لما نعوها لراعي سرحنا انتحبا
أمطيت جازرها عَلَى سنانها ... فصار جازرنا من فوقها قتباً
ينشنش اللحم عنها وهي باركةٌ ... كما تنشنش كفّا قاتل سلبا
ينشنش أي يكشف ويفرق قال التبريزي في شرحه قال أبو محمد الأعرابي لو قال قائل لما قال وهي باركة ولم يذكروا وهي مضطجعة وليس شيء من الحيوان يسلخ إلا مضطجعاً قيل له عن عادة العرب أنهم إذا نحروا الناقة وخشوا أن تضطجع رفدها الرجال من جانبيها حتى تموت وهي باركة وذلك إن جزرهم إياها وهي باركة مستوية هو خير من جزرهم إياها وه مضطجعة عَلَى جنبها فإذا ماتت جزلوها والجزل أن يحزوا أصل العنق ما بين المنكبين حتى يسترخي العنق ولم يقطعوه كله وقد فصلوه ثم يكتنفها الرجال فيكتف السنام رجلان وذلك أن يكون أحدهما من جانبها من شق والآخر من الشق الآخر منة قبل الكتفين وآخران من قبل العجز فثلاثة من جانب وثلاثة من جانب والسالخ واحد وهي باركة.
(ومنها) قول القائل:
إذا انتدى واحتبى بالسيف دان له ... شوس الرجال خضوع الجرب للطال
كأنما الطير منهم فوق هامهم ... لا خوف ظلم ولكن خوف إجلال
احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته أو بيديه ومنه الحديث الإحتباء حيطان العرب أي ليس في البراري حيطان فإذا أرادوا أن يستندوا احتبوا لأن الإحتباء يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار وقوله انتدى أي جلس في النادي والبيت مبني عَلَى عادة كانت لهم ذكرها التبريزي في شرح الحماسة وهي أنهم كانوا يحتبون بالسيوف عند عقد جوار أو