العلم والتقوى وصدرت الأحكام بعوامل الأوهام وغدت هذه البلاد كبرج بابل في التبلبل والتشويش اتخذت كل منها لها أئمة وأولياء وأنشأت تكبر أمرهم وتدعي لهم مقاماً ما ادعوه لأنفسهم وراح الفقيه يكفر الصوفي والصوفي ينقم على الحديثي والأصولي يحمل على الفروعي واشتغل أهل كل قطر بل أهل كل مصر بتقديس من تواطؤوا على تقديسهم والطعن فيمن عداهم ممن لم يصوروا لهم بالصورة المناسبة لما وقر في نفوسهم وركز في طبائعهم وعشش في مخيلاتهم. وهكذا امتزجت علوم الدين بالمشاغبات والمماحكات لو بعث الشارع وأصحابه لرأوا الاختلاف بين ما ورد وما صار إليه مستحكماً بعيد الأطراف يصعب الجمع بينهما كما يصعب الجمع بين النقيضين. ماذا أصف من تسرب الجهل إلى العبث بالعقول في تلك القرون وأنك لترى أثراً من آثاره لهذا العهد عند بعض من فطموا أنفسهم عن النظر في المعقولات منا فترى كلمات التضليل والتكفير والتبديع والتفسيق أسرع إلى أفواههم من الماء إلى الحدور وتشهد الغر الغمر يتحكم بالجنة فيعطيها لمن يشاء ويحرمها من يشاء فوا رحمتاه على أناس أضاعوا فضل عقولهم في الجدل ولكم كان الخير يأتي من جهتها لو اشتغلت بالمفيد ونبذت الأهواء ظهرياً ولكن إذا أراد الله بقوم سوءً رزقهم الجدل ومنعهم العمل.
قلت فيما سلف أن علوم الدنيا دخلت في الملة لما رأت من يعضدها من رجال السياسة وكان ذلك في القرن الثاني. بيد أنها لم تنتشر الانتشار المطلوب إلا في القرن الثالث. شاعت قرنين ثم أخذت تضعف إلى أواخر القرن السابع أيام قل المشتغلون بها ولو على طريقة نظرية بعلوم العقل التي لا قائمة لأمة بدونها مهما أخلصت في دينها. وإذا استفتيت تواريخهم تجد المتلبسين بشعار العلماء لا يعدون في جملتهم ذاك الرياضي والجغرافي وربما فضلوا عليهما المعمار والثرثار. من أجل هذا نرى المدارس على تفنن القوم في إنشائها بعد القرون الوسطى فنازلاً خاصة بالفقيه والمحدث والقارئ والرباطات للمجذومين والمعدمين والكسالى ولم نجد مدرسة اللهم إلا بعض مدارس الطب موقوفة على الرياضيين والطبيعيين والفلكيين والمؤرخين كأن علومهم هذه أباطيل لا تصح الإعانة عليها وحسب الرياضي أن يغضي الفقيه عنه مادامت الحال بين هبوط وصعود والأجدر بها أن تدعى سقوطاً إلى منتصف القرن الماضي أيام أخذ السلطان عبد المجيد في البلاد العثمانية ومحمد