منك حتى ربما أضر ذلك بك وربما قتلك. وطن نفسك على ما تكره يقلُّ همك إذا أتاك ولم تتضر بتوطينك أولاً ويعظم سرورك ويتضاعف إذا أتاك ما تحب مما لم تكن قدرته. الوجع والفقر والنكبة والخوف لا يحس أذاها إلا من كان فيها ولا يعلم قيمتها إلا من كان خارجاً عنها وليس يراه من كان داخلاً فيها. الأمن والصحة والغنى لا يعرف حقها من كان فيها. وجودة الرأي والفضائل وعمل الآخرة لا يعرف فضلها إلا من كان من أهلها ولا يعرفه من لم يكن منها. التهويل بلزوم زي ما والاكفهرار وقلة الانبساط ستائر جعلها الجهال الذين مكنتهم الدنيا أمام جهلهم. ثق بالمتدين وإن كان على غير ديتك ولا تثق بالمستخف وإن أظهر أنه على دينك. من استخف بحرمات الله فلا تأمنه على شيء تشفق عليه. وجدت المشاركين بأرواحهم أكثر من المشاركين بأموالهم وعلة ذلك طبيعية في البشر إنما تأنس النفس بالنفس فأما الجسد فمستثقل مبروم به ودليل ذلك استعجال المرء بدفن حبيبه إذا فارقته نفسه وأسفه لذهاب النفس وإن كانت الجثة حاضرة بين يديه.
خطأ الواحد خير في تدبير الأمور من صواب الجماعة التي لا يجمعها واحد لأن خطأ الواحد في ذلك يستدرك وصواب الجماعة يضري على استدامة الإهمال وفي ذلك الهلاك. سوء الظن يعده قوم عيباً على الإطلاق وليس كذلك إلا إذا أدى صاحبه إلى ما لا يحل في الديانة أو إلى ما يقبح في المعاملة وإلا فهو حزم والحزم فضيلة. من عيب حب الذكر أنه يحبط الأعمال إذا أحب عاملها أن يذكر بها وكاد يكون شركاً لأنه يعمل لغير الله تعالى وهو يطمس الفضائل لأن صاحبه لا يكاد يفعل الخير حباً للخير لكن ليذكر به فواجب على المرء ترداد النصح رضي المنصوح أو سخط تأذى الناصح بذلك أو لم يتأذ إذا نصحت فانصح سراً لا جهراً أو بتعريض لا تصريح إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك فلابد من التصريح ولا تنصح على شرط القبول منك فإن تعديت هذه الوجوه فأنت ظالم لا ناصح وطالب طاعة وملك لا مؤد حق ديانة وأخوة. . . لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه ولا ينتفع بمعرفته فهذا فعل الأرذال ولا تكتمه ما يستضر بجهله فهذا فعل الشر.
الناس في بعض أخلاقهم على تسع مراتب فطائفة تمدح في الوجه وتذم في المغيب وهذه صفة أهل النفاق والعيابين. وهذا خلق فاش في الناس غالب عليهم. وطائفة تذم في المشهد والمغيب وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيابين. وطائفة تمدح في الوجه والغيب