وهذه صفة أهل الملق والطمع. وطائفة تذم في المشهد وتمدح في المغيب وهذه صفة أهل السخف والنواكة. وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذم في المشاهد ويثنون بالخير في المغيب أو يمسكون عن الذم وأما العيابون البراء من النفاق والقحة فيمسكون عن المدح وعن الذم في المشهد والمغيب.
مما ينجع في الوعظ الثناء بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله فهذا داعية إلى عمل الخير وما أعلم لحب المدح فضلاً إلا هذا وحده وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء ولهذا نوجب أن نؤرخ الفضائل والرذائل لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه ويتعظ بما سلف. وتأملت كل ما دون السماء وطالت فكرتي فوجدت كل شيء فيه من حي وغير حي طبعه إن قوي أن يقلع عن غيره من الأنواع كيفياته ويلبسه صفاته فترى الفاضل يودُّ لو كان الناس فضلاء وترى كل من ذكر شيئاً يحض عليه بقول أو فعل أمراً مداوماً وكل ذي مذهب يود لو كان الناس موافقين له وترى ذلك في الغياض إذا أحال بعضها على بعض أحاله إلى نوعيته وترى ذلك في تركيب الشجر وفي تغذي النبات والشجر والماء ورطوبة الأرض وإحالتها ذلك إلى نوعيتها.