بالسلطة وضرب السكة باسمه واستولى على مكة وحارب سورية واتحد مع الروس وغدا البكوات كلهم عندئذٍ من المماليك. وفي سنة ١٧٩٨ أصبح لكل بك من هؤلاء البكوات الأربع والعشرين قصره الخاص به وفيه من الحاشية والغاشية ما يختلف قلة وكثرة وكان عند أضعفهم بأساً مائتا مملوك وكان لمراد بك ألف ومائتا مملوك بحيث كان هؤلاء الأربع والعشرون بيكاً يؤلفون جمهورية تخضع لأعظمهم نفوذاً فيهم ويتقاسمون بينهم الأموال ويتوزعون المعاقل. وقد قدر عدد المماليك نساءً ورجالاً وأطفالاً سنة ١٧٩٨ بخمسين ألف نسمة يخرجون منهم اثني عشر ألف فارس.
أهلك الجيش الفرنسي في حرب الأهرام في يوليو سنة ١٧٩٨ سبعة آلاف مملوك وأباد محمد علي سنة ١٨١١ ما بقي منهم. ثم أن الباب العالي صدق على ولاية محمد علي على مصر لقاء سبعة ملايين من الفرنكات يدفعها خراجاً في السنة فحاول أن يعيد إلى القطر ما فقد من بهائه القديم فوطد أسباب الأمن في البلاد ونظم له جيشاً قوي الشكيمة.
وبينما كان ولدا محمد علي طوسون وإبراهيم يستأصلان شاقة الوهابيين سنة ١٨١٨ ويستوليان على النوبة وسنار وكردوفان التي كانت أضيفت إلى إمارة مصر باسم السودان المصري وخرطوم عاصمتها سنتي ١٨٢١ و١٨٢٢ وينجدان السلطان محمود العثماني في قتال اليونان المتمردين سنتي ١٨٢٤ و١٨٢٩ ثم يغيران بعد ذلك بسنتين على سورية والأناضول انتقاماً من السلطان على عدم اعترافه بالجميل بينما كان أبناء محمد علي يقومان بهذه الأعمال كان محمد علي والدهما يتقدم إلى فرنسا وكان يحبها كثيراً أن تبعث إليه بمهندسين وكيماويين ومعماريين وميكانيكيين وغيرهم يحفرون له الترع ويصلحون سدود النيل القديمة ويقيمون قناطر حديثة ويعمرون الأطيان القابلة للزراعة في الدلتا والصعيد ويدخل إليها المزروعات الجديدة وينشئ المعامل لينجح في توفير الغلات والتجارة الوطنية.
ولكن محمد علي لم يحسب حساب العمل وما يقتضي له في هذا التبديل الاقتصادي الذي كان يرغب فيه فأباد الفلاحين على نحو ما صنع المماليك بما حملهم إياه من السخرة والضرائب وسبهم أراضيهم التي جعلها إلا قليلاً ملكاً خاصاً له وترك للخزانة الاستئثار بالتجارة الخارجية.