على أن ما بذله هذا الوالي لم يكن متناسباً مع قوة البلاد المساعدة ولم يحدث عنها لسوء الطالع النتائج التي كان يتوقعها فلم تلبث تلك المصانع ومعامل القطن والسكر التي أنشئت بالأموال الطائلة في جميع أمهات مدن القطر أن تداعت أركانها عقيب ما قام بنيانها وذلك لسوء إدارتها ولقلة استكمالها أسباب الجودة بحيث أن محمد علي لما أصيب بمرض في عقله وتخلى عن الإدارة لبكر أولاده إبراهيم (١٨٤٨) كان الشعب المصري في بؤسه وشقائه على نحو ما كان في آخر حكم المماليك.
خلف إبراهيم أباه بموجب وفاق تم عقده بين محمد علي والباب العالي وصادقت عليه الدول العظمى (١٨٤١) اللائي ضمن لعزيز مصر أن تكون له ولأحفاده الذكور من بعده ملكاً أبدياً يتوارثها بكر الأولاد مع حفظ سيادة الباب العالي على القطر. ولكن لم تطل مدة حكم إبراهيم أكثر من بضعة أشهر وخلفه ابن أخيه عباس باشا (١٠ نوفمبر سنة ١٨٤٨) وكانت إدارته للبلاد إلى الضعف.
تولى عباس باشا سنة ١٨٥٤ فخلفه سعيد باشا رابع أولاد محمد علي. يقول المسيو رافيس في بحث له جليل في مصر أنه كان ذا حظ من الذكاء الباعث على العمل والحامل على حمل أسباب الحضارة على نحو ما كان لوالده مع ما امتاز به من التهذيب الأوربي الذي لقنه أحسن تلقين فاتسعت مداركه ولذلك أتم إصلاحات والده وتوسع فيها. فألغى بعد سنتين النخاسة والجمارك الداخلية والاحتكار وأطلق للفلاح حريته الشخصية وحرية التملك ووفى ديون القطر القديمة وهو الذي أنجز قناطر النيل ورخص للمسيو دي لسبس صديق صباه أن يخرق ترعة السويس وهو أول من جعل للأمير راتباً وأقام خزينة خاصة.
مات سعيد باشا سنة ١٨٦٣ وخلفه إسماعيل بن إبراهيم فنال هذا من الباب العالي (١٨٦٦) حق الإرث في الإمارة لأولاده وإلغاء حق بكر الأولاد فيها في فروع القرابة غير الفرعية ونال لقب خديوي فجاء ذكره في مجموعة القوانين العثمانية بعد ذكر اسم السلطان مباشرة. ولقد حرص إسماعيل على إدخال التنظيمات الجديدة ولكنه كان منفاقاً متلافاً للمال فساق البلاد المصرية بإدارته المحزنة إلى الإفلاس وإضعاف الاستقلال الوطني الذي كان حلم باسترجاعه.
قال ادمون أبو في كتابه العجيب المسمى الفلاح الذي نشره قبيل الاحتفال بافتتاح ترعة