السويس بعد أن وصف جمال الصنعة في مساجد القاهرة ووصف عجائب الهندسة الدقيقة التي دعوها بدون مسوغ قبور الخلفاء وقام القوم بصنعها بحيث تعجز جميع الأيدي العاملة في مصر عن مضاهاتها ما نصه:
عهد جميع هذه المصانع الصالحة الجميلة كعهد أمثالها عندنا تقرأ فيه الكآبة والتشويش ولعمري كيف تأتى لأولئك القدماء أن ينشئوا أعاجيب من المصانع والمعاهد يتعذر على مصر الحديثة إصلاحها؟ يتداعى كل شيء ويبيد فيذهب غير مأسوف عليه هباءً منثوراً ولا يحاول الأحياء اليوم أن يدعموا ما وهى من تلك الخرائب الفخيمة. هم أهل إخلاص في أعمالهم لم تضعف نفوسهم كما ضعفت نفوسنا منذ أقمنا بناء بيعنا الكبرى على الطرز الغوطي. ولعمري كيف جوز أولئك المؤمنون أن يتركوا تلك المصانع الدينية تتداعى أركانها على حين نحن بذلنا كل مرتخص وغال لصيانتها على الحادفينا.
أنشئت المصانع العامة في جميع الممالك بفضل المعاونة الحقيقية والشخصية وقامت بفضلات ما تنفقه الأمة في سبيل حاجياتها. نرى المصريين الماثلين أمامنا يصرفون أقل ما يمكن صرفه ويقومون على ما يظهر لي بأعظم الأعمال الجسدية وإن لم يكادوا يقومون بالإنفاق على أنفسهم وتأدية الخراج للحكومة. ليت شعري هل فسدت الأرض أم سكانها أم حكومتها أم يتحتم علينا أن نعتقد بأن استبداد المماليك فتح هوة يتعذر ردمها.
كتبت هذه السطور منذ زهاء نصف قرن بعد إبادة المماليك المتأخرين فثبت بها أن محمداً علياً وأخلافه قلما عنوا بتحسين حالة هذا الشعب الخاضع العامل الذي لم يعمل قط إلا للغرباء ولم ينله نفع من كده وإليك ما قاله الآن اليزه ركلو بعد ادمون أبو بعشرين سنة:
إن النقوش الناتئة في المصانع المصرية تمثل هذا الشعب بأنه كان منذ ثلاثة آلاف سنة كما هو اليوم يحني رأسه تحت ضربات السياط. ولقد كان الفلاح المصري أبداً مظلوماً مرهقاً لا قدرة له على الانتقال كما ينتقل البدوي الرحالة وليس في سهل الدلتا العظيم المنبسط ولا في وادي النيل الضيق المضطرب مكان يسعه أن يحاول الالتجاء إليه ليكون فيه بمأمن ولذلك كان عرضة للشقاء لا مستقبل له ولا أمل يرجو نيله ومع هذا تراه يحب مسقط رأسه حباً جماً وإذا طرحته النوى مطارحها وأبعدته عن ضفاف نهره المحبوب تعروه الكآبة ويموت معذباً بالإب أي مرض فرقة الأوطان.