عود إلى موضوعنا - فقد فتحت ترعة السويس في نوفمبر سنة ١٨٦٧ ثم اتخذ إسماعيل سياسة التغلب التي افلح فيها جده ووسع حدود مصر إلى البحيرات العظمى في إفريقية الوسطى سنتي ١٨٧٠ و١٨٧٦ وصادق له السلطان على نصف استقلال الخديوية فيما يتعلق بالباب العالي ولكن إسماعيل أنشأ في خلال عشر سنين من حكمه يسرف ويتلف فعد عهده عهد إسراف مالي شرع يستدين من فرنسا وإنكلترا حتى اقترض ٢٥٠٠ مليون فرنك بشروط كانت من الفداحة بحيث أصبح الإفلاس لا مناص من الوقوع فيه.
نعم حدث ذلك بالفعل فرضي إسماعيل سنة ١٨٧٦ بقبول المراقبة الأجنبية على المالية المصرية وبعد انقضاء ثلاث سنين على هذا ومحاولة إعادة النظام الإداري إلى نصابه الأول عين في الوزارة المصرية اثنان من المراقبين أحدهما إنكليزي المستر ريفرس ويلسون والآخر فرنسي المسيو دي بلنيير سنة ١٨٧٩ وعندها نشأ عن ذلك ما هو معلوم من المشاكل بين الإدارة المصرية ووكلاء الدائنين وإن وقع الاستحسان على المراقبة الإنكليزية الفرنسية في جميع ما يختص بالمالية المصرية.
جاء في كتاب المسألة المصرية الذي نشر حديثاً كلام للمسيو فريسنيه (أحد وزراء فرنسا) حكم فيه الحكم التالي على عزل إسماعيل وحلل مؤلف هذا الكتاب الممتع التقلبات المنوعة في السياسة الفرنسية بمصر منذ حملة بونابرت إلى أيامنا قال الوزير:
وهكذا انتهت أيام أمير كان في مكنته أن يكون حظه غير ما تم له فقد كانت له على نقائصه الكبيرة صفات محمودة فلئن كان محتالاً موسوساً مهووساً مفرطاً في العجب مسرفاً محباً للعظمة فقد كان أيضاً صاحب سلطة وذكاء في تعاطي الأعمال يحسن التمييز بين مصالحه المختلفة وتظهر كفاءته في حسن خدمتها. وقد دل إصلاحه القضائي وما بذله من مد يد المعونة في مشروع ترعة السويس وما توفر عليه من القيام بكثير من الأعمال النافعة على أنه أهل للعمل بالأفكار السامية. ولو كان لفرنسا في مصر إذ ذاك معتمد حازم حاذق وثابت لنالت بواسطته نفوذاً كبيراً وكان يتأتى بمعونة الدول وفي الأحوال الحرجة التي وقعت البلاد فيها أن يؤخذ بيد إسماعيل في طريق يكون إلى السلامة أكثر من الطريق الذي سلكه.
فقام على عرش الإمارة المصرية بقيام توفيق أمير مهذب سليم الطوية تام الأخلاق مقتصد