بعيدة، وفي اليوم السابع اجتزنا بقرى الساحل أمثال جبنة سدود مجدل بربرة بئر هديهد غزة وقضينا الليل في دير البلع وفي اليوم الثامن بدأ سيرنا في رمال عَلَى نحو ثلاث ساعات من غزة وبعد أن سرنا ست ساعات دخلنا في رفح أول حدود مصر والشام وقد كانت تنتابني الهواجس تلك الليلة أحاذر أن أقع في يد عدو للحرية أو أن أجالس من يستدل بذكائه عَلَى أنني لست من تجارة الإبل في العير ولا في النفير أو لا ناقة لي في ذاك القطيع ولا جمل فما فتحت عيني قبيل الغسق إلا وأنا أنشد بيت المتنبي:
تدبير ذي حنك يفكر في غد ... وهجوم غرّ لا يخاف عواقبا
فتفاءلت خيراً بالنجاة وإن كنت لا أحب التفاؤل ولا التشاؤم ولا أبني أعمالي عَلَى الأحلام والمرائي حتى إذا قيل لي ها أنت في رفح تدوس تربة مصر قلت ما أحراها أن تدعى فرحاً لا رفحاً ليكون لكل شيءٍ من اسمه نصيب ولا غرو فليس أحلى من النجاة عَلَى من كان يتوقع الخطر أو من الوصل عَلَى ما يطال به السهاد.
ومن عجيب ما لاحظته في أراضي فلسطين أنني شهدت لحكومتنا بعض أثر من عمل مثل إنشائها بعض الجسور عَلَى الأودية في حين لم أر عملاً عمرانياً في ولايتي سورية وبيروت كأن مجاورة لواء القدس للأراضي المصرية عدت فلسطين أو القسم الأعظم منها من ارتقاء بلاد الفراعنة فصحت عزيمة حكومة القدس عَلَى أن تمد جسوراً عَلَى الأقل وتعبد الطرق بعض الشيء ولا جرم أن العلى تعدي كما قال أبو تمام، ولقد كنا كلما اقتربنا من غزة نحس بتغير المشاهد في بلاد أشبه بهوائها وزراعتها بالبلاد المصرية والناس يكادون يشبهون سكان الصعيد بألبستهم ولهجاتهم وهذا من عدوى الجوار وكثر اختلاط المتجاورين من سكان القطرين فإنك كما ترى جمهوراً كبيراً من جالية المصريين في يافا وغزة هكذا تجد الجميز والموز من أشجار البلاد الحارة شائعين في صقيع غزة.
دخلنا اليوم التاسع في رمال ولم يكن يتغير شكلها خمسة أيام متوالية إلى أن قالت الإسماعيلية ها أنا ذا. وهذه الرمال كانت تعرف قديماً بالجفار جمع جفر وهي البئر القريبة القعر الواسعة لم تطو قال ياقوت وهي ارض من مسيرة سبعة أيام بين فلسطين ومصر أولها رفح من جهة الشام وآخرها الخشبي متصلة برمال تيه بني إسرائيل والخشبي بينه وبين الفسطاط ثلاث مراحل كما في معجم البلدان فيه خان وهو أول الجفار من ناحية