قضيت ويا لسعادتي أسبوعين كاملين في عالم الأباعر والبعران والإبل والحوار والبطين والبطنان والكثيب والكثبان وشين وزين وترد وتصدر وندلج ونسري وننشد ونمرح ونضحي ونعشي وغير ذلك من فصح العربية الباقية عَلَى أسلات ألسن أولئك العرب الأميين ولو أردت أن أستوفي ما سمعته في هذا القبيل لاستغرق مجلداً برأسه وما أحلى ما سمعته من أحدهم يقول لصاحبه يا فلان خذ من فلان كذا وأنت الفالج أي الرابح من الفلج وهو الظفر وكيف لا أوخذ بما وعيت ورأيت وأنا طول هذه الفترة لم أسمع نميمة ولا غيبة ولا شهدت كذباً ولا منكراًَ وكان أولئك الأعراب بأجمهم مواظبين عَلَى صلواتهم بدون تكلف يتيممون يوم يقل ماؤهم ولا يسرفون فيه إذا وجد. أخلاق طاهرة متينة ما كنت أظنها باقية في البادية وأرجو أن لا تفقد بتاتاً من أهل الحضر ولو تهيأ لسكان اليمن ونجد خاصةً شيءٌ من المدنية الصحيحة لفاقوا ولا جرم الإنكليز والسكسونيين بأخلاقهم وأناتهم ورويتهم وإني لما أخبرت القوم أيقنت بفساد القضية التي وضعها أحد الباحثين من أصول الشعوب من أن الطيش والرعونة والفسق تغلب عَلَى سكان البلاد الحارة ومع أن بلاد هؤلاء الأعراب من الأقاليم الحارة جعلت منهم التربية الدينية المعتدلة أهل اعتدال وكمال وأهل مال وأعمال.
هذا وقد أطلت حواركم حتى خفت عليكم التبرم بحديثي وإني حامد شاكر لكل ما تم عليَّ لإيقاني بأن الحوادث أكبر معلم ولولا الحادثة الأخيرة في دمشق لما تيسر أن ابلغ مصر من شرقها وأن أستمتع بلقياكم الآن وأرجو أن يدوم لي هذا الاستمتاع ولكن عَلَى شرط أن يقيض الله للبلاد العثمانية من يغار عَلَى مصلحتها وينقذها من سقطتها وأسأل قاهرة الجبابرة والسلاطين أن يمن علينا بنعمة الراحة أجمعين.