لنجلس في مكان فجلسنا في قهوة قريبة ثم شرع في الحديث يقول:
اعلم يا سيدي أن لي صديقاً عرفني إلى هذه الفتاة وهي من عائلة كريمة ولا تزال تلميذة في إحدى المدارس الداخلية وكان بينها وبين الصديق روابط واجتماعات دامت نحو عام وصادف أني وجدتها عند صديقي فقدمني إليها فمال قلبي إليها واقتنصت الفرص فطلبت الاجتماع بها فوعدتني هذه الليلة إلى ذاك المكان لأن ليلة السبت ليلة دخولها المدرسة فالمدرسة لا تهتم لتأخرها عَلَى ما يظهر وأهلها يعلمون أنها ذهبت إلى المدرسة فتحتال عَلَى عمدة المدرسة وأهلها في آن واحد وهكذا كانت تفعل مع صديقي الذي أغواها إغواء الشيطان ولعب بعقلها في كتبه الغرامية وهي لا تزال في سن طفوليتها لا تعرف كيف تفكر في مستقبلها وشرفها مع شرف أسرتها فسحر لبها واستحوذ عَلَى عواطفها فانقادت له طيعة حتى صارت لا تبالي بشيءٍ يمس عفافها ولا يخفى عليك أن أكثر الجاهلات يعتقدن أن الفتاة إذا كانت بالغة فهي حرة تتصرف بشخصها كما تشاء.
ـ فقلت تباً لك أيتها الحرية كم أساء إليك الجاهلون والجاهلات وكم ارتكبت باسمك الفظائع البشرية دخلت الشرق من الغرب بعد فقد حريته الطاهرة فلم يأخذ منك إلا حرية الرقص والمداعبة وحرية تناول الكؤوس عَلَى رؤوس الأشهاد والتفاخر بالمقامرة واعتبار القمار دليلاً عَلَى المدنية وحرية التبرج وفي الجملة حرية كل شيء يمس الفضائل ومحاسن الأخلاق وما يجرح العواطف الشريفة ولم يأخذ منك حرية الكلام والاجتماع والجمعيات ولا حرية الكتابة والطبع والمطبوعات ولا حرية التعليم التي فيها الحياة ولذلك فشا الفاسد في الشرق وأصبحت الرذائل مكان الفضائل عَلَى أننا في حاجة إلى حرية فاضلة وأما حرية تلك الرذائل فإنها لا تثمر إلا فساد الأخلاق وموت الفضيلة وتحذير الشعور والإحساس وقتل الشعب وإماتة الجامعة وذلك الأمة.
وحبذا غيرة الحكومة المصرية في منعها الحشيش حبا بإحياء النفوس التي أماتها والعواطف التي خدرها وليت الحكومة تبذل مثل هذه العناية في منع التنهتك ولعب القمار الذي فيه الدمار.
مهلاً يا سيدي لقد حركت عواطفي وجرحت فؤادي وأخجلتني عَلَى أنها هي التي شجعتني فلولا أني رأيت منها ميلاً وأنست منها حنواً لما أقدمت عَلَى طلب الاجتماع بها.