ـ تباً لكم معشر الرجال ما أقسى قلوبكم تصرفون اقتداركم ومعارفكم في التسلط عَلَى قلوب النساء الضعيفة وهل تنتظر مقاومة تتمثل فيها العفة والعقل عفة تمنع قلب هذه الفتاة الضعيفة التي لا تزال في مهد الطفولية بين صفوف الطالبات من تضليل الرجال وحبائلهم الشيطانية ولا ريب بأن صديقك هو الذي أغواها وأفسد أخلاقها أنا لا أشك بأم الوسط الذي تنشأ فيه الفتاة من أكبر العوامل المؤثرة في نفسها ولكنني لا أجهل أيضاً أن حسن التعليم وإتقان التربية في المدارس وشدة الاعتناء تصلح ما فسد في البيت وربما قرأت عن جيش المجاهدين في بلاد أسوج كيف يحاربون البغاء ويخلصون الباغيات من العهر والفجور فتصبح العاهرة بفضل هذا الجيش المنظم مثال الطهر والعفة فالفتاة التي نشأت عَلَى تربية حسنة ثم زينتها المدرسة بالآداب والفضائل وثقفت عقلها وأحسنت تعليمها ولا يستهويها فاسد مثل صديقك ولكن نقص التربية البيتية وعدم الاعتناء في المدرسة وهذه الحرية الفاسدة ومهارة أمثال صديقك تفسد الملائكة فما بالك بالنساء وما قلوبهن الأهواء فلنرجع إلى حديثنا.
ـ كان موعدنا هذه الليلة فخرجت الفتاة من بيت أبيها تحمل ما يلزمها في المدرسة وأتت إليّ لأقضي معها ساعة أنس وطرب فلما جاءت أدخلتها المحل الذي أعددته لها فلما دخلت طلبت لها الجعة فما بدأنا بالشرب حتى فاجأنا الفتى المصر وبصق في وجهها وشتمها وخرج يستقدم الشرطي كما رأيت فأخذها الخوف الشديد وداخلني الريب فسكنت أكثر منها خوفاً فسألتها عنه فقالت هو ابن عمي فطار عقلي وأخذت أفكر بماذا أفعل فخطر ببالي التظاهر بالشجاعة لأني خفت من أن يكون الأمر مدبراً ليتهموني بها عَلَى أن الجاني كان صديقي فخرجت من المكان وأخذتها معي فركبنا العربة وذهبنا إلى المخفر لأشكو أمر الرجل والشرطي لأنهما اعتديا عَلَى حريتنا.
ـ بئست تلك الحرية.
ـ ولما رأى الفتى دخولنا إلى المخفر ذهب مع الشرطي فسارعت بإركاب الفتاة وإرسالها إلى مدرستها وإذ رجع الفتى عرضت له قصتي فقال أنه من جمعية سرية تناهض البغاء والفجور وأنكر أنه ابن عمها ولكنه يعرفها وأخبراني عن أسرتها ثم تفارقنا عَلَى ذلك وأشهد والله عَلَى أني تبت توبة نصوحاً ولن أفعل مثل هذه الأفعال لأن الخوف الذي استولى عليَّ