المصلحون. وهذه كما رأيت أمور أولية ينبغي إيثارها على كل شيء.
وقلما نظرت مدارسنا مع ما فيها من العلماء والأدباء وما لها من الفضل في إنارة الأذهان وترقية العقول وتوسيع المدارك إلى تلك المقومات نظر حكيم مخلص يعرف كيف يداوي الإعلاء وتقاوم أدواء الأمم ولم تقصر جل اهتمامها إلا على حشو الأدمغة بقواعد اللغات والرياضيات والطبيعيات على ما مر بنا آنفاً غير مفسحة للأدبيات والاجتماعيات إلا القليل من أوقات الدراسة فيها كأنها تجهل قيمة النفس وتأثير الأخلاق في الوجود. والأنكى أن ما تعلمه الواحدة وتذهب إليه تشجيه الأخرى وتبعد عنه وما تحض عليه هذه تقاومه تلك إذ ندر وجود مدرسة عندنا لا غاية لها في العلم ولا مأرب خاص على أن العالم لا مشرب له ولا دين كما قال المقتبس الأغر في عدد أسبق.
ولا تنحصر واجبات المدارس فيما تجري عليه مدارسنا الحاضرة التي تفقد الأولاد كثيراً من الأمور الطاهرة الآتية معهم إليها وتضعف فيهم أميالاً سامية فطروا عليها مذ تكونوا في أحشاء أمهاتهم وتلاشي منهم نزعات شريفة ورغائب عظيمة مقدسة وتبث فيهم مبادئ تافهة ونعودهم عادات سيئة وتمكن منهم أخلاقاً فاسدة وتنشئهم على التعصب والإدعاء والكبرياء والضعف والجبن والكذب والرياء وما أشبه ذلك من النقائص التي أكلت من لحومنا وشربت من دمائنا مئين من السنين حرمنا فيها الهناء والارتقاء. ولولا إعداد المدارس طلبتها للاستنارة بنفوسهم لنفوسهم وتأهيلها لهم بالعلم لدرس الآداب والعمل على تحسين الأخلاق لما بالغنا إذا قلنا أن مدارسنا أضرت قدر ما نفعت. ومن راقبها بنزاهة وإخلاص وبحث في طرائق التربية فيها بحثاً دقيقاً إذا جاز لنا أن نقول أن فيها تربية تتضح له الحقيقة بأجلى بيان. . . وإصلاح المدارس خير أساس يجب أن يقوم عليه الإصلاح.
الضغط على العقول وإرهاق الوجدانات وخنق الأفكار ومعاكسة النوابغ ومعاملة التلاميذ بالقسوة والجور والشراسة والاستبداد والشتم والضرب وقلة الأدب على نحو ما بينت ذلك في فصل من كتابي الإنسان ابن التربية وإيثار أهواء المعلمين على القوانين ومآرب الوالدين على مصالح البنين وعدم الاعتداد بالغرائز وعدم تنشيط العزائم وتعزيز الصدق والجرأة والإقدام وعدم جعل المعلمين أنفسهم قدوة حسنة للتلاميذ وتطبيق أفعالهم الخاصة والعامة على أقوالهم وما شاكل ذلك مما يأتي به كل معلم غير مؤهل للتعليم بأخلاقه وآدابه