على ما نشاهد في كثير من مدارسنا مما لا حاجة إلى إعادة ذكره الآن وإثارة الأشجان بتعداده - كل هذا أساس فساد الأخلاق في المدارس.
راقبت مرة طلبة إحدى المدارس في وقت الراحة فرابني أمر تلميذ منهم كان كمن يبحث عن ضائع وعرفت بعد البحث أن يحمل (السنيال) وقد رأيته يأتي من ضروب الرياء والتجسس ما أحزنني على مستقبله ومستقبل أبناء مدارس من مثل هذه تدرب بنيها على عادات سيئة وأعمال دنيئة. وهل أسوأ وأدنى من جاسوس يغتاب الناس وينم بهم. ولو اعترض أحد على مثل هذه الأمور لاحتجت المدارس على إتيانها بحجج وبراهين لا تخرج عن حد (الغاية تبرر الواسطة) وعندي أن شرف الأخلاق وإباء النفس مع العلم القليل خير من الصغار والدناءة مع إتقان التكلم بعدة لغات.
من المسؤول عن فساد أخلاق شبان العصر وسوء أحوالهم الأدبية يا ترى غير البيوت والمدارس؟ وإذا كان الوالدون على ما يعهدهم الجميع لا يعرفون من شؤون التربية غير اسمها ولا من الأخلاق إلا ما شبوا عليه ولا من العادات سوى ما تأصل فيهم أفلا يجدر بالمعلمين المتعلمين المهذبين أن يعوضوا عن هذا النقص جهدهم ويسدوا من الخلل ما يستطيعون؟ نعم لا أنكر أن المعلمين اليوم هم أبناء هذه المدارس أيضاً وما يتقاضونه من الرواتب لا يرغب في المهنة المهرة البارعين ولا يدني منها غير الكسالى العاجزين في أغلب الأحوال ولكن أين تأثير الإدارة والرئاسة ورواتب المديرين والرؤساء لا تحول دون انتخاب المستعدين والمستعدون على ازدياد؟
يقولون اكثروا من المدارس واستكثروا. ولا نجاح لنا بلا مدارس ولا ارتقاء. ولكن فاتهم أن ما عندنا منها لو عرفت كيف تربي أخلاق بنيها على ما يعوزنا لكان الأغنياء منهم ينشئون المدارس من تلقاء أنفسهم دون أن يحوجونا إلى النداء والمطالبة والحكماء يديرونها حسب الأصول دون استبداد بالأولاد وتلاعب بالحاسات والمعلمون يهذبون النفوس ويكفوننا مؤونة الكلام في هذا الموضوع الخطير. وقد كثرت مدارسنا وحسبنا من أنواعها ما عندنا وخير من زيادتها أيضاً العناية بتحسين طرق تربية الأخلاق فيها وهذا الركن العظيم الذي يتوقف عليه نجاح الأمة.
لا ريب أن المدارس تكيف الأمم وبواسطتها تستطيع كل أمة تغيير ما تريد من عاداتها