للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رحالة تضرب في الفجاج إلى نجد وأبعد من نجد ولا تتوفر عَلَى زراعة الأرض كلها وإذا قتل البدوي أحد أهل البلدين يفر فلا يلوي عَلَى شيء وإذا قتل الفلاح من أهل معان ووادي موسى رجلاً من أولئك البدو تتقاضاه الحكومة الدية وتحبسه وترهقه فكأن الحكومة لا تقوى إلا عَلَى كل ضعيف خفيف الحال. سألنا أحد كبار شيوخ وادي موسى هل زرت يا عماه مدينة دمشق في حياتك فأجاب إنني لم أزرها أنا ولا أحد من أهل بلدي وأني لي وبزيارتها والطريق عشرة أيام لراكب المطايا وفي السكة الحديدية احتاج إلى أجرة لم أملكها في حياتي فتأمل.

وبعد فإن أجمل المناظر إذا خرجت من السيك أو من الصدفين أي من جانبي الجبلين وفارقت تلك القنن والقلل تقصد إلى عين موسى صعدا في هضاب عنقاء شماء واطلت عَلَى تلك المدينة التي يستحيل أي جيش من جيش العالم أن يفتحها ويستبيح حمى من فيها إذا أرادت الدفاع تشرف من ورائها عَلَى أرض واسعة جداً تظنها بحراً من أشعة الشمس وهي وادي عربة طوله ثلاثة أيام إلى الغرب وعرضه إلى الشمال أربعة من العقبة إلى الغور وفي تربته حصا وأحجار ورمال وأملاح وينابيع قليلة منها بعض الخضرة كما تجد هنا وهناك بعض الشجار البرية ويقصد البدو هذا الوادي في الشتاء لأنه غور يرعون فيه مواشيهم كما يقصد أهالي الطفيلة والكرك والسلط وما جاورهم من الأغوار إلى الغرب من ديارهم ويقصدون جهات الشرق في الربيع ويتوسطون في الشتاء والصيف.

هذا نموذج من عيش أهل المجر والمدر من البوادي ممن تشهد خيامهم السوداء كما قال ابن معتوق في وصفها:

قطع من الليل البهيم عَلَى الثرى ... سقطت وفيها أنجم الجوزاء

والتي قالت فيها الشاعرة الأعرابية يوم زوجت في دمشق وأسكنت القصور والدور من اللبن والحجر:

لبيت تخفق الأرياح فيه ... أحب إليّ من قصر منيف

أو كما قال الشاعر:

الحسن يظهر في شيئين رونقه ... بيت من الشعر أو بيت من الشعر

ولقد أحببنا أن نجربه للمرة الأولى فنزلنا ليلة في أرض إيل عَلَى شيخ من عرب الشرور