للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو نحو ثلثي فرسخ طبقاتها بعض فوق بعض.

وكانت جانبي الفسطاط والجيزة ثم شق بعض الخلفاء من ولد عباس خليجاً عَلَى قطعة منها فسميت تلك القطعة الجزيرة لأنها بين العمود والخليج وسمي خليج أمير المؤمنين منه شربهم ودورهم أربع طبقات وخمس كالمناير يدخل إليهم الضياء من الوسط وسمعت أنه يسكن الدار الواحدة نحو مائتي نفس وإنه لما صار إليها الحسن بن أحمد القرمطي خرج الناس إليها فرآهم مثل الجراد فهاله ذلك وقال ما هذا قيل هؤلاء نظارة مصر ومن لم يخرج أكثر. وكنت يوماً أمشي عَلَى الساحل وأتعجب من كثرة المراكب الراسية والسائرة فقال لي رجل منهم: من أين أنت قلت: قلت من بيت المقدس قال: بلد كبير أعلمك يا سيدي أعزك الله أن عَلَى هذا الساحل وما قد أقلع منه إلى البلدان والقرى من المراكب ما لو ذهبت إلى بلدك لحملت أهلها وآلاتها وحجارتها وخشبها حتى يقال كان ههنا مدينة. وسمعتهم يذكرون أنه يصلي قدام الإمام يوم الجمعة عشرة آلاف رجل فلم أصدق حتى خرجت مع المتسرعة إلى سوق الطير فرأيت الأمر قريباً مما قالوا.

وأبطأت يوماً عن السعي إلى الجمعة فألفيت الصفوف في الأسواق عَلَى أكثر من ألف ذراع من الجامع ورأيت القياسير والمساجد والدكاكين حوله مملوءة من كل جانب من المصلين وهذا الجامع يسمى السفلاني من عمل عمرو بن العاص وفيه منبره حسن البناء في حيطانه شيء من الفسيفس عَلَى أعمدة رخام أكبر من جامع دمشق والازدحام فيه أكثر من الجوامع الستة قد التفت عليه الأسواق إلا أن بينها وبينه من نحو القبلة دار الشط وخزائن وميضاة وهو أعمر موضع بمصر وزقاق القناديل عن يساره وما يدريك ما زقاق القناديل والجامع الفوقاني من بناء بني طيلون أكبر وأبهى من السفلاني عَلَى أساطين واسعة مصهرجة وسقوفه عالية في وسطه قبة عَلَى عمل قبة زمزم فيها سقاية مشرف عَلَى فم الخليج وغيره وله زيادات وخلفه دار حسنة ومنارته من حجر صغيرة درجها من خارج والحد بين أسفل وفوق مسجد عبد الله قد بنى من مساحة الكعبة.

ويطول الوصف بنعت أسواقه وجلالته غير أنه أجل أمصار المسلمين وأكبر مفاخرهم وآهل بلدانهم ومع هذه الكثرة اشتريت الخبز الحواري ولا يخبزون غيره ثلاثين رطلاً بدرهم والبيض ثمانية بدانق والموز والرطب رخيص يجيء أبداً إليه ثمرات الشام