الأسباب التي كثرت بها صلاته مع علماء المشرقيات في الغرب حتى لا يكاد إمام من أئمتهم إلا ذاكره في الموضوع الذي يغلب عليه واستفاد منه.
ومازال صاحب هذه الخزانة يسعى وراء غايته كلما ذب إلى أوربا في مهمة علمية فيعود بنفائس الكتب وغرائبها مما يرجع كله إلى إظهار حضارة العرب وفضلهم حتى اجتمعت إليه الآن معظم الكتب العربية التي طبعها علماء الإفرنج المستشرقين منذ القرن الخامس عشر للميلاد إلى يوم الناس هذا. وحصل أيضاً عَلَى مجموعة نادرة تحوي كل التراجم أو المباحث التي خاض غمارها علماء الفرنجة ولاسيما ما يتعلق منها بالعرب والإسلام وقد زار سورية زيارة رسمية عقاب انتشار الدستور العثماني وكان لبناء دمشق حظ وافر من الأخذ من معارفه وانتفع ناشئتا بحديثه وخطبته الرنانة وأعجب الخاصة من القوم ببيانه وتحقيقه العلمي وودوا لو زار سورية كل سنة واحد من أمثاله فتوخى إفادتها وتعليمها.
ذهب إلى الآستانة مرات فوجد المجال فسيحاً فيما هو بصدد من إحياء آثار العرب ووقع عَلَى كنوز في مكاتبها قلما وفق للاطلاع عليها أحداً قبله. وبمعاونة حسين حلمي باشا الصدر الأسبق تيسرت له المطالب وفتحت له الأبواب بعد الحرية العثمانية واشتغل كما يشاء. ولما علم الجناب الخديوي بالأمر عاونه عَلَى ما اخذ النفس به ولا عجب فالحكومات الرشيدة تعرف أن لا رونق لبلادها بدون علم. والعلم في الشرق لم تقم له سوق نافعة إلا في ظل الملوك العاقلين فإن تنشيطه من خصائص الجمعيات والأمراء المفصلين. عَلَى نحو ما كان في العرب ولا يزال إلى عهد قريب. فرأى صديقنا (وذلك مذهبه منذ القديم) أن الناسخ ماسخ لا يعول عليه في نقل الكتب النادرة فاستحسن النقل بالفوتوغراف ليكون لديه الصل برمته. واستحضر من سفرته هذه زهاء مئة كتاب بالتصوير الشمسي وكلها نفائس كان يظن أنها مفقودة. فلما رأت الحكومة المصرية هذه الهمة الفائقة وبحثت في هذا العمل المجيد كان أول مظاهر له الجناب الخديوي ورئيس الوزارة الحالي محمد باشا سعيد وناظر معارف مصر أحمد حشمت باشا فأحبوا أن يكون الشرف كله لمصر لا لمصري واحد، خصوصاً ومصر اليوم هي المكلفة بإحياء مجد العرب ووراثة تراثهم المأمونة عليهم.
فرأى أمام هذه العناية العالة أن يقدم هدية لأمته وأهل بلده فأوقف مكتبته كلها ولا يقل ثمنها عن اثني عشر ألف جنيه بمكاتبها وخزائنها وقماطرها وكراسيها وكل ما يتعلق بها. فأكبر