الجناب الخديوي هذه الخدمة فاصدر أمراً بتخصيص قسم مستقل من دار الكتب الخديوية منعزلاً عنها وخاصاً بأحمد زكي باشا يشتغل فيه طوال حياته لنفع أمته وبلاده. والذي حدا الواقف عن هذا العمل منذ الآن أنه خشي أن يأتيه القدر المحتوم فجأة فيبدد كتبه أيدي سياء خصوصاً وقد رأى العبرة بعينه في كتب علي باشا مبارك والأمير محمد إبراهيم والشيخ رضوان العفش وحسين باشا حسني وغيرها من المكاتب المصرية الخاصة التي اشترى بعض نفائسها وضمها إلى خزانته. فأوقف ما يملكه منذ اليوم وأخرجه من داره قال: أخرجت المكتبة من ملكي حتى إذا جاءني أمر ربي ذهبت وليس في النفس حاجة. لأن ثمرة عمري وهي المكتبة موضوعة في كلاءة الأمة والحكومة فلا يعبث بها وارث ولا شبه وارث خصوصاً وأني أعتقد أن من يوقف شيئاً عَلَى الخير يؤجل نفاذه إلى ما بعد موته لا يكون له الحق في طلب الثواب عند الله لأنه تبرع مما آل إلى ورثته. وإني أحب تجديد العمل بالسنة الشريفة. فقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال: أن تتصدق وأنت صحيح حريص تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان (رواه البخاري في صحيحه).
لم يقف الواقف عند هذا الحد بل إنه ما برح في كل يوم وفي كل شهر يشتري كتباً من أوربا ويستحضر الأسفار الثمينة بالفوتوغرافيا نت الآستانة ويضم هذا وذاك إلى مجموعته النفيسة ليكتفي الباحث بما فيها عن غيرها. ومن مميزات مكتبه إنها تضم أمهات الكتب في كل فن وعلم ومطالب لأن جامعها أراد أن يغتني بها عن الرجوع إلى دار الكتب الخديوية. وفيها كتب كثيرة من المطبوعات في مصر والهند والعراق والشام وغيرها مما لا يكاد يوجد في دار الكتب الخديوية. دع الكتب الكثيرة المحفوظة التي حوتها وقلت نظائرها في دار الكتب الكبرى هذا مع حفظ النسبة الاعتراف الصحيح بأن دار الكتب الخديوية بالنسبة لهذه الخزانة أوسع مادة وأغزر قيمة ولكن خزائن الأفراد قد يكون فيها من النوادر والوفاء بالحاجة ما لا يسقط عَلَى مثله في الخزائن العامة. وكيف يكون وجه للمفاخرة بين مجموعة جمعها رجل فرد بوسائله الذاتية وهو لم يرث عن أهله قرشاً واحداً وبين دار كتب هي مجمع ما بقي مما خلفه السلاطين والملوك والأمراء وأهل الثروة والكبراء من أعيان المصريين. قال صديقنا في عظمة دار الكتب الخديوية: وناهيك بمكتبة نفحها إسماعيل