وكان العرب تسمي هذا الفن بفن الترجمة ورحل التراجم وحل المترجم والذي يشتغل بذلك المترجم (بكسر الجيم) ولذلك ترى المؤلفين الأقدمين مثل ابن النديم وغيره عندما يتكلمون عن الكتب المنقولة عن اليونانية والفارسية يستعملون في الغالب لفظة النقل ولا يستعملون لفظة المترجم ولا الترجمة إلا نادراً. ولما كان هذا العلم خفياً خاصاً بأسرار الحكومات الإسلامية فكان مضنوناً به ولا يصل الجمهور إليه فلذلك جهل كثير من الناس معنى هذه الكلمة حتى أن كتب اللغة لا تشير إليها بل إن شراح المقامات (عندما أشار الحريري إليها في إحدى مقاماته) جهلوها ولم يفسروها وتمحلوا فيها بل إن صاحب لسان العرب نفسه لم يذكرها كان عارفاً تمام المعرفة بهذا الفن وكان هذا الفن مستعملاً في الدولة الإسلامية من أيام المأمون إلى الحروب الصليبية فأخذ الإفرنج عن المسلمين الذين أخذوا مبادئه عن اليونانيين ثم رده الإفرنج إلينا. ولجهلنا بمعارف أهلنا اخترناه باسمه الجديد عند الإفرنج وهو الشفرة التي نقلها الإفرنج عن كلمة صفر العربية واستعملوها بمعنى الأرقام لأنهم استخدموا الأرقام بدلاً من الحروف في الكتابات السرية ثم غننا جعلنا بدلاً من الشفرة لفظة الجفر لتقارب المخرجين خصوصاً وإن الجفر كان يستعمل في الألغاز بالحوادث المستقبلة فصار من هناك شبه علاقة جعلت العامة تعتقد أن الجفر المستعملة الآن هي مأخوذة من لفظة جفر المستعملة في كتابة الملاحم. والصواب غير ذلك.
ويضيق بنا المجال إذا أردنا الإفاضة أكثر من ذلك في وصف هذه الخزانة. ومما فيها كثير من المصورات (الخرائط) المعمولة في أيام العباسيين وبعدهم وخريطة إفرنجية صنع العلامة فلاماريون الفلكي عن السماء وما فيها من الكواكب عليها أسماء الكواكب بالعربي والفرنساوي وضعها زكي باشا. ومنها مجموعة الفرمانات الصادرة باللغة التركية بخصوص الحكومة المصرية من أول محمد علي إلى آخر إسمعيل. ومجموعة أخرى من المصورات لبلاد الأناضول المشهورة مرسومة مدنها بالألوان تريها ظاهرة مجسمة لواحد من أرباب الفنون المسلمين. وفيها صورة جميلة للسلطان صلاح الدين الأيوبي.
ومن مزايا هذه المكتبة أن صاحبها مثل صديقنا أحمد بك تيمور يعرف ما في خزانته، ليس جماعة للكتب فقط. وعلى بعض شروح وحواش وورق ومفكرات. وتجد فيها الكتب المطبوعة النفيسة أكثر من المخطوطة العربية وأكثر من الإفرنجية والخزانة التيمورية