ذلك لعمري من خور النفوس وضعف الطبيعة وانحطاط الأخلاق. وقد يكون من باب التنطع عند العلماء، ومن باب الحذلقة (الحفلطة) في أنصاف العلماء (وهم شر الناس). وأما الجاهلون فحسبهم أنهم جهال. ويقيني أن التنطع والحذلقة من الأمور التي لا بد لنا من محاربتها لنكون قوامين عَلَى لغتنا وذاتيتنا، وليكون لنا سعي مشكور في إحياء آدابنا وإحياء بلادنا.
عَلَى أن موضوعي في هذه الليلة سيضطرني في كثير من المقامات إلى التذكير بألفاظ أجنبية مأخوذة عن العربية لأبين ما تركه أجدادنا من الآثار الباقية والمآثر الخالدة في الأمم الأوربية. فعلى سبيل التمهيد ومن باب الدخول في الموضوع أستأذنكم في إلقاء جملة صغيرة باللغة الفرنسية يتغلغل بها الكلام وليأخذ الحديث برقاب بعضه بعضاً.
لا جرم أن يأخذكم العجب وتتولاكم الدهشة إذا قلت لكم يا سادتي إن كلمتي مشتقتان عن جرثومة عربية محضة فالأولى (ونظيرها عند الطليان فعل مأخوذة من قول فلان حائر بائر. وأما الثانية فهي من قولهم بهرت فلاناً فانبهر. فهل يصح لأحد أن يحار بعد الآن في ذلك الاشتقاق) وقد ظهر السبب فبطل العجب؟ وهذا كما ترى.
أقف هنا قليلاً. ولا أزيدكم علماً بأن الفرنسيين كثيراً ما يستعملون كلمتي وتحليلها اللغوي وانظر إلى ذلك أو كما يقول عامتنا أهو كده هو كذا ويضارع ذلك قول العرب: وهذا كما ترى تلك الجملة ترد كثيراً في مسامرات أبي حيان التوحيدي مع وزير بغداد كما نراه في كتاب الإمتاع والمؤانسة الذي أحضرته في هذا العام من خزائن القسطنطينية. وربما حاضرت قومي به وبموضوعه في فرصة أخرى.
ذكرت لكم في الجملة الفرنسية كلمة ثالثة وهي كلمة وأصلها عربي أيضاً. ولو نطقنا بها عَلَى الطريقة الطليانية لقلنا: سوكي أو لو
بحثنا ما يقابله عندهم لوجدنا فلو سقنا الآن آية من القرآن لظهر أصل الاشتقاق. قال الله تعالى في وصف الصحابة: (رحماء بيتهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً. سيماهم في وجوههم من أثر السجود. ذلك مثلهم في التوراة. ومثلهم في الإنجيل