أخذ الإفرنج كثيراًَ من طرق العرب واساليبهم في الزراعة كما سنبينه فيما يجيء، واخذوا معها اللفاظ تارة وهي في حالة المفرد وتارة في حالة الجمع. ومن هذا القبيل كلمة التي نحن بصددها أخذوها عن سوق جمع ساق ثم حرفوا معناه عن أصله فنزلوا بها إلى باطن الأرض وجعلوها بمعنى الجرثومة والأصل: ثم توسعوا فيها فأطلقوها عَلَى جميع المعاني التي تدل عليها الجرثومة في اللغة العربية حساً ومعنى، حقيقة ومجازاً.
وهناك ألفاظ كثيرة جداً تدل عَلَى تأثير العرب في الإفرنج تأثيراً باقياً إلى الآن:
نعم إن المعالم ذهب بها الأيام والعوادي، ولكن أثرها قد بقي. فالأطلال تحدث الشاعر الباحث. وتستوقف الناظر والمسافر وتناجي الضمائر والخواطر، بما كان للعرب في تلكم البلاد من المآثر والمفاخر.
وسأغترف لكم نذراً يسيراً مما علمت أنه مأخوذ عن العربية وقد تأصل في اللغة الفرنسية الجميلة (وما يتبعها من اللهجات الخاصة ببعض الأصقاع في فرنسا) وفي اللسان الطلياني (وما تولد عنه أو من اللهجات الشائعة في شبه الجزيرة الطليانية وما إليها من الجزر الأخرى) وفي لغتي الإسبانيين والبرتقاليين (وما تفرع عنه أو تفرع عنهما في ربوع الأندلس بحسب الاصطلاح الجغرافي العربي من الرطانات المتداولة الآن أو التي قضى عليها ناموس النشوء والارتقاء بالدخول في خبر كان).
قلت لكم إنني سأغترف من ذلك شيئاً، ولست أتعدى كلمة الاغتراف قبل أن أحيطكم علماً أن الإفرنج أخذوا عنها كلمة الفرنسية الطليانية الصقلية الإسبانية. ولكنهم كلهم تطابقوا عَلَى تناقل اللفظ العربي من المصدرية إلى الاسمية. فهو عندهم لإناء من الزجاج يوضع فيه الخمر أو الماء. ومن ذا الذي في مصر الآن إذا ذهب إلى محل تجارة مذكور لا يكون قوله مفهوماً إذا طلب المشتري الكاراف؟! نعم إن الطالب والمطلوب يتفاهما وكلاهما بغير العربية لا يتراطتان أرهما بها يتراطتان. لا اريد أن أتشبه بهذا البائع وبهذا المشتري، فلا أجول أمامكم في مضمار لست من فرجائه. فاللغة الإنكليزية قليل وبالألماني هو والعدم سواء، وباليونانية كالصفر عَلَى يسار الأقلام، إلى ما هنالك من لغات أخرى قد أخذت عن